عرض مشاركة واحدة
قديم 21-10-2011, 10:22 AM   #622
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 58

(وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطوراً"58" )
ساعة أن تسمع (وإن قرية إلا) فاعلم أن الأسلوب قائم على نفي وإثبات، فالمعنى: لا توجد قرية إلا والله مهلكها قبل يوم القيامة، أو معذبها عذاباً شديداً، لكن هل كل القرى ينسحب عليها هذا الحكم؟
نقول: لا، لأن هذا حكم مطلق والإطلاقات في القرآن تقيدها قرآنيات أخرى، وسوف نجد مع هذه الآية قول الحق سبحانه:

{ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلمٍ وأهلها غافلون "131"}
(سورة الأنعام)


وقال تعالى:

{وما كان ربك ليهلك القرى بظلمٍ وأهلها مصلحون "117"}
(سورة هود)


فهذه آيات مخصصة توضح الاستثناء من القاعدة السابقة، وتقيد المبدأ السابق والسور العام الذي جاءت به الآية، فيكون المعنى ـ إذن ـ وإن من قرية غير غافلة وغير مصلحة إلا والله مهلكها أو معذبها. وقوله:

{وإن من قريةٍ إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها .. "58"}
(سورة الإسراء)


(مهلكوها) أي: بعذاب الاستئصال الذي لا يبقى منهم أحداً.
(معذبوها) أي: عذاباً دون استئصال.
لأن التعذيب مرحلة أولى، فإن أتى بالنتيجة المطلوبة وأعاد الناس إلى الصواب فبها ونعمت وتنتهي المسألة، فإن لم يقتنعوا وأصروا ولم يرتدعوا وعاندوا يأتي الإهلاك، وهذا واضح في قول الحق سبحانه:

{وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون "112" }
(سورة النحل)


والواقع أن في حاضرنا شواهد عدة على هذه المسألة، فلابد لأي قرية طغت وبغت أن ينالها شيء من العذاب، والأمثلة أمامنا واضحة، ولا داعي لذكرها حتى لا ننكأ جراحنا.
وطبيعي أن يأتي العذاب قبل الإهلاك؛ لأن العذاب إيلام حي يشعر بالعذاب ويحس به، والإهلاك إذهاب للحياة، وهذا يمنع الإحساس بالعذاب.
وباستقراء تاريخ الأمم السابقة نلاحظ ما حاق بهم من سنة إهلاك الظالمين، فقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط نزل بهم عذاب الله الذي لا يرد عن القوم الكافرين، ولكنه كان عذاب استئصال؛ لأن الأنبياء في هذا الوقت لم يكونوا مطالبين بحمل السلاح لنشر دعوتهم، فكان عليهم البلاغ، والحق سبحانه وتعالى هو الذي يتولى تأديب المخالفين. إلا إذا طلب أتباع النبي الجهاد معه لنشر دعوته، كما حدث من أتباع موسى عليه السلام:

{إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم .. "246"}
(سورة البقرة)


وهكذا طلب بنو إسرائيل القتال وحمل السلاح، ولكن حذرهم نبيهم، وخشي أن يفرض عليهم ثم يتقاعسوا عنه، وهذا ما حدث فعلاً ولم يبق معه إلا قليل منهم، وهذا القليل سرعان ما تراجع هو أيضاً واحداً بعد الآخر.
إذن: الهمة الإنسانية في هذا الوقت لم يكن عندها استعداد ونضج لأن تحمل سلاحاً في سبيل الله، فكان على الرسول أن يبلغ، وعلى السماء أن تؤدب بهذا اللون من العذاب الذي يستأصلهم فلا يبقى منهم أحداً.
أما في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد رحمنا ربنا تبارك وتعالى من هذا العذاب، فقال:

{وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم .. "33"}
(سورة الأنفال)