23-10-2011, 05:18 PM
|
#677
|
مراقب عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 29965
|
تاريخ التسجيل : 03 2010
|
أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
|
المشاركات :
34,379 [
+
] |
التقييم : 253
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Royalblue
|
|
تفسير سورة يوسف - الآية: 3
| (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين "3") | حين يتحدث الحق ـ سبحانه ـ عن فعل من أفعاله؛ ويأتي بضمير الجمع؛ فسبب ذلك أن كل فعل من أفعاله يتطلب وجود صفات متعددة؛ يتطلب: علماً؛ حكمة؛ قدرة؛ إمكانات. ومن غيره ـ سبحانه ـ له كل الصفات التي تفعل ما تشاء وقت أن تشاء؟
لا أحد سواه قادر على ذلك؛ لأنه ـ سبحانه ـ وحده صاحب الصفات التي تقوم بكل مطلوب في الحياة ومقدر. لكن حين يتكلم ـ سبحانه ـ عن الذات؛ فهو يؤكد التوحيد فلا تأتي بصيغة الجمع، يقول تعالى:
{إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني وأقم الصلاة لذكري "14"}
(سورة طه)
وهنا يتكلم ـ سبحانه ـ بأسلوب يعبر عن أفعال لا يقدر عليها غيره؛ بالدقة التي شاءها هو ـ سبحانه ـ فيقول:
{نحن نقص عليك أحسن القصص.."3"}
(سورة يوسف)
وحدد ـ سبحانه ـ أنه هو الذي يقص، وإذا وجد فعل لله؛ فنحن نأخذ الفعل بذاته وخصوصه؛ ولا نحاول أن نشتق منه اسماً نطلقه على الله؛ إلا إذا كان الفعل له صفة من صفاته التي علمناها في أسمائه الحسنى؛ لأنه الذات الأقدس.
وفي كل ما يتعلق به ذاتاً وصفات وأفعالاً إنما نلتزم الأدب؛ لأننا لا نعرف شيئا عن ذات الله إلا ما أخبرنا الله عن نفسه، لذلك لا يصح أن نقول عن الله أنه قصاص، بل نأخذ الفعل كما أخبرنا به، ولا نشتق منه اسماً لله؛ لأنه لم يصف نفسه في أسمائه الحسنى بذلك. والواجب أن ما أطلقه ـ سبحانه ـ اسماً نأخذه اسماً، وما أطلقه فعلاً نأخذه فعلاً. وهنا يقول ـ سبحانه:
{نحن نقص عليك أحسن القصص.."3"}
(سورة يوسف)
ونعلم أن كلمة "قص" تعني الإتباع، وقال بعض العلماء: إن القصة تسمى كذلك لأن كل كلمة تتبع كلمة، ومأخوذة من قص الأثر، وهو تتبع أثر السائر على الأرض، حتى يعرف الإنسان مصير من يتتبعه ولا ينحرف بعيدا عن الاتجاه الذي سار فيه من يبحث عنه. واقرأ قول الحق ـ سبحانه ـ:
{وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنبٍ وهم لا يشعرون "11"}
(سورة القصص)
و {قصيه .. "11"}
(سورة القصص)
أي: تتبعي أثره. إذن: فالقص ليس هو الكلمة التي تتبع كلمة، إنما القص هو تتبع ما حدث بالفعل. ويعطينا الحق سبحانه مثلاً من قصة موسى عليه السلام مع فتاه:
{قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا "63" قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا "64"}
(سورة الكهف)
أي: تابعا الخطوات. وهكذا نعلم أن القص هو تتبع ما حدث بالفعل، فتكون كل كلمة مصورة لواقع، لا لبس فيه أو خيال؛ ولا تزيد، وليس كما يحدث في القصص الفني الحديث؛ حيث يضيف القصاص لقطات خيالية من أجل الحبكة الفنية والإثارة وجذب الانتباه.
أما قصص القرآن فوضعه مختلف تماماً، فكل قصص القرآن إنما يتتبع ما حدث فعلاً؛ لنأخذ منها العبرة؛ لأن القصة نوع من التاريخ. والقصة في القرآن مرة تكون للحدث، ومرة تكون لتثبيت فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم تأت قصة رسول في القرآن كاملة، إلا قصة يوسف ـ عليه السلام.
أما بقية الرسل فقصصهم جاءت لقطات في مناسبات لتثبيت فؤاد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فتأتي لقطة من حياة رسول، ولقطة من حياة رسول آخر، وهكذا. ولا يقولن أحد: إن القرآن لم يستطع أن يأتي بقصة كاملة مستوفية؛ فقد شاء الحق ـ سبحانه ـ أن يأتي بقصة يوسف من أولها إلى آخرها، مستوفية، ففيها الحدث الذي دارت حوله أشخاص، وفيها شخص دارت حوله الأحداث.
فقصة يوسف ـ عليه السلام ـ في القرآن لا تتميز بالحبكة فقط؛ بل جمعت نوعي القصة، بالحدث الذي تدور حوله الشخصيات وبالشخص الذي تدور حوله الأحداث. جاءت قصة يوسف بيوسف، وما مر عليه من أحداث؛ بدء من الرؤيا، ومروراً بحقد الأخوة وكيدهم، ثم محاولة الغواية له من امرأة العزيز، ثم السجن، ثم القدرة على تأويل الأحلام، ثم تولي السلطة، ولقاء الأخوة والإحسان إليهم، وأخيراً لقاء الأب من جديد.
إذن: فقول الحق ـ سبحانه:
{نحن نقص عليك أحسن القصص.."3"}
(سورة يوسف)
يبين لنا أن الحسن أتى لها من أن الكتب السابقة تحدثت عن قصة يوسف، لكن أحبار اليهود حين قرأوا القصة كما جاءت بالقرآن ترك بعضهم كتابه، واعتمد على القرآن في روايتها، فالقصة أحداثها واحدة، إلا صياغة الأداء؛ وتلمسات المواجيد النفسية؛ وإبراز المواقف المطوية في النفس البشرية؛ وتحقيق الرؤى الغيبية كل ذلك جاء في حبكة ذات أداء بياني معجز جعلها احسن القصص.
أو: هي احسن القصص بما اشتملت عليه من عبر متعددة، عبر في الطفولة في مواجهة الشيخوخة، والحقد الحاسد بين الأخوة، والتمرد، وإلقائه في الجب والكيد له، ووضعه سجيناً بظلم، وموقف يوسف عليه السلام من الافتراء الكاذب، والاعتزاز بالحق حتى تم له النصر والتمكين. وكيف ألقى الله على يوسف ـ عليه السلام ـ محبة منه؛ ليجعل كل من لتقي به يحب خدمته. وكيف صان يوسف إرث النبوة، بما فيها من سماحة وقدرة على العفو عند المقدرة؛ فعفا عن أخوته بما روته السورة:
{قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين "92"}
(سورة يوسف) |
|
|
|