عرض مشاركة واحدة
قديم 23-10-2011, 08:21 PM   #682
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 8

(إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين "8")
ولابد لنا هنا أن ننظر إلى الأخوة بنوعياتها؛ فقد تكون الأخوة من ناحية الأبوين معاً؛ وقد تكون من ناحية الأب دون الأم، أو من ناحية الأم دون الأب، وكان عدد أبناء يعقوب عليه السلام اثنا عشر: سبعة من واحدة؛ وأربعة من اثنتين: زلفى وبلهه؛ واثنين من راحيل هما: يوسف، وأخوه بنيامين. وتبدأ الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها:

{إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا.."8"}
(سورة يوسف)


وحرف اللام الذي سبق اسم يوسف جاء للتوكيد، وكأنهم قالوا: والله إن أبانا يحب يوسف وأخاه أكثر من حبه لنا. والتوكيد لا يأتي إلا بصدد إنكار. وهذا يدل على أنهم مختلفون في أمر يوسف عليه السلام؛ فأحدهم يريد أن ينتقم من يوسف، وآخر يقترح تخفيف المسألة بإلقائه في الجب؛ ثم انتهوا إلى أن يوسف أحب إلى أبيهم منهم.
وفي قولهم لمحة من إنصاف؛ فقد أثبتوا حب أبيهم لهم؛ ولكن قولهم به بعض من غفلة البشر؛ لأنهم كان يجب أن يلتمسوا سبب زيادة حب أبيهم ليوسف وأخيه. فيوسف وأخوه كانوا صغاراً وماتت أمهما؛ ولم يعد لهم إلا الأب الذي أحس بضرورة أن يجتمع فيه تجاههما حنان الأب وحنان الأم؛ ولأنهما صغار نجد الأب يحنو عليهما بما أودعه الله في قلبه من قدرة على الرعاية.
وهذا أمر لا دخل ليعقوب فيه؛ بل هي مسألة إلهية أودعها الله في القلوب بدون اختيار؛ ويودعها سبحانه حتى في قلوب الحيوانات. وقد شاء سبحانه أن يجعل الحنان على قدر الحاجة؛ فالقطة ـ على سبيل المثال ـ إن اقترب أحد من صغارها المولودين حديثاً؛ تهجم على هذا الذي اقترب من صغارها.
ولذلك نجد العربي القديم قد أجاب على من سأله "أي أبنائك أحب إليك؟" فقال: "الصغير حتى يكبر؛ والغائب حتى يعود، والمريض حتى يشفى". وهذه مسألة نراها في حياتنا اليومية، فنجد امرأة لها ولدان، واحد أكرمه الله بسعة الرزق ويقوم بكل أمورها واحتياجاتها؛ والآخر يعيش على الكفاف أو على مساعدة أخيه له؛ ونجد قلبها دائما مع الضعيف.
ولذلك نقول: إن الحب مسألة عاطفية لا تخضع إلى التقنين؛ ولا تكليف بها؛ وحينما يتعرض القرآن لها فالحق سبحانه يوضح: أن الحب والبغض انفعالات طبيعية؛ فأحبب من شئت وأبغض من شئت؛ ولكن إياك أن تظلم الناس لمن أحببت؛ أو تظلم من أبغضت. اقرأ قول الحق سبحانه:

{ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى "8" }
(سورة المائدة)


فأحبب من شئت، وأبغض من شئت، ولكن لا تظلم بسبب الحب أو البغض. وقد يقول قائل:

<ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه">

نقول: اقرأ ما جاء في نفس رواية الحديث؛ فقد قال عمر رضي الله عنه ـ بوضوحه وصراحته وجراءته؛ دون نفاق ـ: أحبك يا رسول الله عن مالي وعن ولدي أما عن نفسي؛ فلا،

<فكرر النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه">

ففطن عمر رضي الله عنه إلى أن الأمر هو التزام عقدي وتكليفي؛ وفهم أن المطلوب هو حب العقل؛ لا حب العاطفة.
وحب العقل ـ كما نعلم ـ هو أن تبصر الأمر النافع وتفعله؛ مثلما تأخذ الدواء المر؛ وأنت تفعل ذلك بحب عقلي؛ رغبة منك في أن يأذن الحق بالشفاء. والمسلم يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقله؛ لأنه يعلم أنه لولا مجيء رسول الله لما عرف حلاوة الإيمان، وقد يتسامى المسلم في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يصير حب الرسول في قلبه حباً عاطفياً.
وهكذا نرى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أوضح لنا الخطوط الفاصلة بين مبادئ الحب العقلي والحب العاطفي. والمثال الآخر من سيرة عمر رضي الله عنه في نفس المسألة؛ حب العقل وحب العاطفة؛ حين مر عليه قاتل أخيه؛ فقال واحد ممن يجلسون معه: هذا قاتل أخيك. فقال عمر: وماذا افعل به وقد هداه الله للإسلام؟
وصرف عمر وجهه بعيداً عن قاتل أخيه؛ فجاء القاتل إليه قائلاً: لماذا تزوي وجهك عني؟ قال عمر: لأني لا أحبك، فأنت قاتل أخي. فقال الرجل: أو يمنعني عدم حبك لي من أي حق من حقوقي؟ قال عمر: لا. فقال الرجل: "لك أن تحب من تريد، وتكره من تريد، ولا يبكي على الحب إلا النساء".