عرض مشاركة واحدة
قديم 23-10-2011, 08:25 PM   #692
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 18

(وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون "18")
كأن قميص يوسف كان معهم. ويقال: إن يعقوب علق على مجيء القميص وعليه الدم الكذب بأن الذئب كان رحيماً، فأكل لحم يوسف ولم يمزق قميصه؛ وكأنه قد عرف أن هناك مؤامرة سيكشفها الله له. ويصف بعض العلماء قصة يوسف بقصة القميص:
فهنا جاء إخوته بقميصه وعليه دم كذب. وفي أواسط السورة تأتي مسألة قميص يوسف إن كان قد شقي من دبرٍ لحظة أن جذبته امرأة العزيز لتراوده عن نفسه. وفي آخر السورة يرسل إخوته بقميصه إلى والده فيرتد بصره.
ولهذا أخذ العلماء والأدباء كلمة القميص كرمز لبعض الأشياء؛ والمثل هو قول الناس عن الحرب بين علي رضي الله عنه ومعاوية رضي الله عنه أن معاوية أمسك بقميص عثمان بن عفان طلباً للثأر من علي، فقيل "قميص عثمان" رمزاً لإخفاء الهدف عن العيون، وكان هدف معاوية أن يحكم بدلاً من علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين. وهنا يقول الحق سبحانه:

{وجاءوا على قميصه بدم كذب .. "18"}
(سورة يوسف)


وكأن القميص كان معهم، ووضعوا عليه دماً مكذوباً، لأن الدم لا يكذب، إنما كذب من جاء بدم الشاة ووضعه على القميص. وشاء الحق سبحانه هنا أن يعطي الوصف المصدري للمبالغة؛ وكأن الدم نفسه هو الذي كذب؛ مثلما تقول "فلان عادل" ويمكنك أن تصف إنساناً بقولك"فلان عدل" أي: كأن العدل تجسد فيه، أو قد تقول "فلان ذو شر"، فيرد عليك آخر "بل هو الشر بعينه"، وهذه مبالغة في الحديث.
وهل كان يمكن أن يوصف الدم بأنه صادق؟
نقول: نعم، لو كان الذئب قد أكل يوسف بالفعل؛ وتلوث قميص يوسف بدم يوسف وتمزق. ولكن ذلك لم يحدث، بل إن الكذب يكاد يصرخ في تلك الواقعة ويقول "أنا كذب". فلو كان قد أكله الذئب فعلاً؛ كان الدم قد نشع من داخل القميص لخارجه؛ ولكنهم جاءوا بدم الشاة ولطخوا به القميص من الخارج. وبالله، لو أن الذئب قد أكله فعلاً، ألن تكن أنيابه قد مزقت القميص؟
وحين انكشف أمرهم أمام أبيهم؛ أشار أحدهم خفية للباقين وقال لهم همساً: قولوا لأبيكم: إن اللصوص قد خرجوا عليه وقتلوه؛ فسمع يعقوب الهمس فقال: اللصوص أحوج لقميصه من دمه؛ وهذا ما تقوله كتب السير.
وهذا ما يؤكد فراسة يعقوب، هذه الفراسة التي يتحلى بها أي محقق في قضية قتل؛ حين يقلب أسئلته للمتهم وللشهود؛ لأن المحقق يعلم أن المحقق يعلم أن الكاذب لن يستوحي أقواله من واقع؛ بل يستوحي أقواله من خيال مضطرب. ولذلك يقال: "إن كنت كذوباً فكن ذكوراً". ويأتي هنا الحق سبحانه بما جاء على لسان يعقوب:

{بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون "18"}
(سورة يوسف)


"والسول" :هو الاسترخاء؛ لأن الإنسان حين تكون أعصابه مشدودة؛ ثم يحب أن يسترخي، فيستريح قليلا، وبعد ذلك يجد في نفسه شيئا من اليسر في بدنه ونبضه. ونأخذ

{سولت "18"}
(سورة يوسف)


هنا بمعنى يسرت وسهلت، ومادامت قد سولت لكم أنفسكم هذا الأمر فسوف أستقبله بما يليق بهذا الوضع، وهو الصبر.

{فصبر جميل .. "18"}
(سورة يوسف)


والذين يحاولون اصطياد خطأ في القرآن يقولون "وهل يمكن أن يكون الصبر جميلاً؟". نقول: هم لا يعرفون أن الصبر يقال فيه "اصبر عن كذا" إذا كان الأمر عن شهوة قد تورث إيلاماً؛ كأن يقال "اصبر عن الخمر" أو "اصبر عن الميسر" أو "اصبر عن الربا". ويقال "اصبر عن كذا" إذا كان الصبر فيه إيلام لك. والصبر يكون جميلاً لا تكون فيه شكوى أو جزع.
والحق سبحانه يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم:

{واهجرهم هجراً جميلاً "10"}
(سورة المزمل)


وهؤلاء الذين يبحثون عن تناقض أو تضارب في القرآن إنما هم قوم لا يعرفون كيفية استقباله وفهمه؛ وقد بين لنا يعقوب عليه السلام أن الصبر الجميل هو الصبر الذي لا شكوى فيه، وهو القائل:

{إنما أشكو بثي وحزني إلى الله .. "86"}
(سورة يوسف)