عرض مشاركة واحدة
قديم 24-10-2011, 05:10 PM   #698
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 24

(ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين "24")
والهم هو حديث النفس بالشيء؛ إما أن يأتيه الإنسان أو لا يأتيه. ومن رحمة ربنا بخلقه أن من هم بسيئة وحدثته نفسه أن يفعلها؛ ولم يفعلها كتبت له حسنة. وقد جاءت العبارة هنا في أمر المراودة التي كانت منها، والامتناع الذي كان منه، واقتضى ذلك الأمر مفاعلة بين اثنين يصطرعان في شيء. فأحد الاثنين امرأة العزيز يقول الله في حقها:

{ولقد همت به .. "24"}
(سورة يوسف)


وسبق أن أعلن لنا الحق سبحانه في الآية السابقة موقفها حين قالت: "هيت لك" وكذلك بين موقف يوسف عليه السلام حين قال يوسف "معاذ الله". وهنا يبين لنا أن نفسه قد حدثته أيضاً؛ وتساوى في حديث النفس؛ لكن يوسف حدث له أن رأى برهان ربه.
ويكون فهمنا للعبارة: ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها؛ لأننا نعلم أن "لولا" حرف امتناع لوجود؛ مثلما نقول: لولا زيد عندك لأتيتك. ولقائل أن يقول: كيف غابت قضية الشرط في الإيجاد والامتناع عن الذين يقولون؛ إن الهم قد وجد منه؟ ولماذا لم يقل الحق: لقد همت به ولم يهم بها؛ حتى نخرج من تلك القضية الصعبة؟ ونقول: لو قال الحق ذلك لما أعطانا هذا القول اللقطة المطلوبة؛ لأن امرأة العزيز همت به لأن عندها نوازع العمل؛ وإن لم يقل لنا أنه قد هم بها لظننا أنه عنين أو خصاه موقف أنها سيدة فخارت قواه.
إذن: لو قال الحق سبحانه: إنه لم يهم بها؛ لكان المانع من الهم إما أمر طبيعي فيه، أو أمر طارئ لأنها سيدته فقد يمنعه الحياء عن الهم بها. ولكن الحق سبحانه يريد أن يوضح لنا أن يوسف كان طبيعياً وهو قد بلغ أشده ونضجه؛ ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. وهكذا لم يقم يوسف عليه السلام بما يتطلبه ذلك لنقص فيه؛ ولا لأن الموقف كان مفاجأة ضيعت رجولته بغتة؛ مثل ما يحدث لبعض الشباب في ليلة الزفاف، حين لا يستطيع أن يقرب عروسه؛ وتمر أيام إلى أن يستعيد توازنه. ويقرب عروسه. إذن: لو أن القرآن يريد عدم الهم على الإطلاق؛ ومن غير شيء، لقال: ولقد همت به ولم يهم بها.
ولكن مثل هذا القول هو نفي للحدث بما لا يستلزم العفة والعصمة، لجواز أن يكون عدم الهم راجعاً إلى نقص ما؛ وحتى لا يتطرق إلينا تشبيهه ببعض الخدم؛ حيث يستحي الخادم أن ينظر إلى البنات الجميلات للأسرة التي يعمل عندها؛ ويتجه نظره إلى الخادمة التي تعمل في المنزل المجاور، لأن للعواطف التقاءات.
ومن لطف الله بالخلق أنه يوجد الالتقاءات التفاعلية في المتساويات، فلا تأتي عاطفة الخادم في بعض الأحيان ناحية بنات البيت الذي يعمل عنده؛ وقد يطلب من أهل البيت أن يخرج لشراء أي شيء من خارج المنزل، لعله يحظى بلقاء عابر من خادمة الجيران.
ويجوز أن الخادم قد فكر في أنه لو هم بواحدة من بنات الأسرة التي يعمل لديها؛ فقد تطرده الأسرة من العمل؛ بينما هو يحيا سعيدا مع تلك الأسرة. وهكذا يشاء الحق سبحانه أن يوزع تلك المسائل بنظام وتكافؤات في كثير من الأحيان. وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها قال الحق سبحانه:

{ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه .. "24"}
(سورة يوسف)


إذن: فبرهان ربه سابق على الهم، فواحد هم ولم يرتكب ما يتطلبه الهم؛ لأن برهان ربه في قلبه، وقد عرف يوسف برهان ربه من البداية. وبذلك تنتهي المسألة، ولذلك فلا داعي أن يدخل الناس في متاهات أنه هم وجلس بين شعبتيها، ولم يرتعد إلا عندما تمثل له وجه والده يعقوب ونهاه عن هذا الفعل؛ فأفسق الفساق ولو تمثل له أبوه وهو في مثل هذا الموقف لأصيب بالإغماء.
وحين تناقش من رأى هذا الرأي: أتتكلم عن الله، أم عن الشيطان؟
أنت لو نظرت إلى أبطال القصة تجدهم: امرأة العزيز؛ ويوسف والعزيز نفسه؛ والشاهد على أن يوسف قد حاول الفكاك من ذلك الموقف، ثم النسوة اللاتي دعتهن امرأة العزيز ليشاهدوا جماله؛ والله قد كتب له العصمة.
فكل هؤلاء تضافروا على أن يوسف لم يحدث منه شيء. وقال يوسف نفسه:

{هي راودتني عن نفسي .. "26"}
(سورة يوسف)


وامرأة العزيز نفسها قالت مصدقة لما قال:

{ولقد راودته عن نفسه فاستعصم .. "32"}
(سورة يوسف)


وقالت:

{الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين "51" ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب .. "52"}
(سورة يوسف)


وعن النسوة قال يوسف:

{ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم "50"}
(سورة يوسف)


وقال يوسف لحظتها:

{وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين "33"}
(سورة يوسف)