عرض مشاركة واحدة
قديم 25-10-2011, 06:14 AM   #754
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 80

(فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين "80")
ويقال: "يئس" أي: قطع الأمل من الشيء، وهم لم يقطعوا الأمل فقط، بل استيأسوا، وهو أمر فوق اليأس. فهم قد أخذوا يرققون كل ألوان المرققات؛ ولا فائدة؛ وكلما أوردوا مرققاً؛ يجدون الباب أمامهم موصداً. وكأنهم بذلك يلحون على اليأس أن يأتيهم؛ لأن الظروف المحيطة والجو المحيط لا يحمل أي بارقة أمل، وكلما تبدو بارقة أمل يطلبونها يجدون الطريق موصداً؛ فكأنهم يطلبون اليأس من أن يأذن يوسف بسفر أخيهم بنيامين معهم في رحلة العودة إلى أبيهم.
وهنا:

{خلصوا نجيا .. "80"}
(سورة يوسف)


أي: أنهم انفردوا عنه، وعن أعين الحاضرين؛ العزيز يوسف، ومن حوله من المعاونين له، وأخيهم موضع الخلاف، وانفردوا بأنفسهم. والانفراد هو المناجاة؛ والمناجاة مسرة؛ والمسرة لا تكون إلا في أمر لا تحب لغيرك أن يطلع عليه. ونلحظ أن:

{خلصوا .. "80"}
(سورة يوسف)


هو جمع، و:

{نجيا .. "80"}
(سورة يوسف)


مفرد، وهذا من ضمن المواقع التي يتساءل فيها من لا يملكون ملكة عربية: كيف يأتي القرآن بمفرد بعد الجمع؟
ونقول دائماً: لو أنهم امتلكوا اللغة كملكة لعرفوا أن ذلك جائز جداً. ومثال هذا هو قول الحق سبحانه:

{والملائكة بعد ذلك ظهير "4"}
(سورة التحريم)


وهم لا يفهمون أن اللغة فيها ألفاظ يستوي فيها المفرد والجمع، كأن الملائكة يجمعون قوة كل واحد منهم لتكون قوة واحدة. ومثال آخر: هو قول إبراهيم خليل الرحمن:

{قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون "75" أنتم وآباؤكم الأقدمون "76" فإنهم عدو لي إلا رب العالمين "77"}
(سورة الشعراء)


أي: أن إبراهيم عليه السلام جمع الآلهة المتعددة التي يعبدونها وجعلها عدواً واحداً له. وكذلك يمكن أن نفعل مع كلمة "صديق"، وكذلك كلمة "عدل" فحين ينظر القضاء في أمر قضية ما؛ فالقاضي لا يصدر الحكم وحده؛ بل يصدره بعد التشاور مع المستشارين؛ ويصدر الحكم من الثلاثة: رئيس المحكمة، وعضو اليمين، وعضو اليسار وكلاهما بدرجة مستشار. ويقال: "حكم القضاة عدلاً". ولا يقال: إن كل مستشار أو قاض له عدل. وكذلك:

{نجيا .. "80"}
(سورة يوسف)


في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها، فهم حين استيأسوا من يوسف انفردوا بأنفسهم ليتناجوا. وعادة يكون الرأي الأول للأخ الأكبر، الذي عادة ما يكون له من الخبرة والحكمة ما يتيح له أن يبدي الرأي الصواب. وهنا يقول الحق سبحانه:

{قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين "80"}
(سورة يوسف)


وقد يكون كبيرهم هو أكبرهم عمراً؛ أو هو رئيس الرحلة، وحين رآهم قد قبلوا فكرة العودة دون أخيهم الذي احتجزه عزيز مصر؛ قال لهم رأيه الذي حذرهم فيه أن يغفلوا عن أن أباهم قد أخذ منهم موثقاً من الله إلا أن يحاط بهم؛ كما يجب ألا ينسوا أن لهم سابقة حين أخذوا يوسف وضيعوه.
وبناءً على ذلك استقر قراره ألا يبرح المكان، ولن يعود إلى أبيه إلا إن أذن له بذلك؛ أو أن يحكم الله له بأن يسلمه عزيز مصر أخاه، أو أن يموت هنا في نفس البلد. وهذا القول في ظاهره دفاع عن النفس؛ وخجل من أن يعود إلى أبيه بدون بنيامين؛ ولذلك ترك أخوته يتحملون تلك المواجهة مع الأب.
وتبدو هذه المسألة أكثر قسوة على الأب؛ لأنه فقد في الرحلة الأولى يوسف، وفي الرحلة الثانية يفقد ابنه بنيامين، وكذلك الابن الكبير الذي يرأس الرحلة. وفي هذا تصعيد للقسوة على الأب، وكان المفروض أن تدور مداولة بين الأخوة في تلك المناجاة، ولكن الأخ الكبير أو رئيس الرحلة حسم الأمر.