عرض مشاركة واحدة
قديم 25-10-2011, 12:46 PM   #777
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 103

(وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين "103")
فأنت يا محمد لن تجعل كل الناس مؤمنين؛ ولو حرصت على ذلك، وكان صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على أن يؤمن قومه، فهو منهم. ويقول فيه الحق سبحانه:

{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم "128"}
(سورة التوبة)


لكنهم جحدوا ما جاءهم به؛ وقد أحزنه ذلك الأمر. وفي الحرص نجد آية خاصة باليهود؛ هؤلاء الذين دفعوا أهل مكة أن يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف؛ يقول الحق سبحانه:

{ولتجدنهم أحرص الناس على حياةٍ .. "96"}
(سورة البقرة)


وكان على أهل مكة أن يؤمنوا مادام قد ثبت لهم بالبينات أنه رسول من الله. وجاء قول الحق:

{وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين "103"}
(سورة يوسف)


جاء ذلك القول تسلية من الحق سبحانه لرسوله، وليؤكد له أن ذلك ليس حال أهل مكة فقط، ولكن هذه هي طبيعة معظم الناس. لماذا؟
لأن أغلبهم لا يحسن قياس ما يعطيه له منهج الله في الدنيا والآخرة، والإنسان حين يقبل على منهج الله، يقيس الإقبال على هذا المنهج بما يعطيه له في الآخرة؛ فلسوف يعلم أنه مهما أعطى لنفسه من متع الدنيا فعمره فيها موقوت بالقدر الذي قدره له الله، والحياة يمكن أن تنتهي عند أية لحظة.
والحق سبحانه حين خبأ عن الناس أعمارهم في الدنيا، لم يكن هذا الإخفاء إبهاماً كما يظن البعض، وهذا الإبهام هو في حقيقته عين البيان، فإشاعة حدوث الموت في أي زمن يجعل الإنسان في حالة ترقب.
ولذلك فميتات الفجاءة لها حكمة أن يعرف كل إنسان أن الموت لا سبب له، بل هو سبب في حد ذاته؛ سواء كان الموت في حادثة أو بسبب مرض أو فجأة، فالإنسان يتمتع في الدنيا على حسب عمره المحدد الموقوت عند الله، أما في الآخرة فإنه يتمتع على قدر إمدادات الخالق سبحانه. والإنسان المؤمن يقيس استمتاعه في الآخرة بقدرة الله على العطاء، وبإمكانات الحق لا إمكانات الخلق.
وهب أن إنساناً معزولاً عن أمر الآخرة، أي: أنه كافر بالآخرة وأخذها على أساس الدنيا فقط، نقول له: انظر إلى ما يطلب منك نهياً؛ وما يطلب منك أمراً، ولا تجعله لذاتك فقط، بل اجعله للمقابل لك من الملايين غيرك. سوف تجد أن نواهي المنهج إن منعتك عن شر تفعله بغيرك؛ فقد منعت الغير أن يفعل بك الشر، في هذا مصلحة لك بالمقاييس المادية التي لا دخل للدين بها.
ويجب أن نأخذ هذه المسألة في إطار قضية هي "درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة". وهب أن إنساناً محباً لك أمسك بتفاحة وأراد أن يقذفها لك، بينما يوجد آخر كاره لك، ويحاول أن يقذفك في نفس اللحظة بحجر، وأطلق الاثنان ما في أيديهما تجاهك، هنا يجب أن ترد الحجر قبل أن تلتقط التفاحة، وهكذا يكون درء المفسدة مقدماً على جلب المصلحة.
وعلى الإنسان أن يقيس ذلك في كل أمر من الأمور؛ لأن كثيراً من أدوات الحضارات أو ابتكارات المدنية أو المخترعات العلمية قد تعطينا بعضاً من النفع، ولكن يثبت أن لها ـ من بعد ذلك ـ الكثير من الضرر.
مثال هذا: هو اختراع مادة "د. د. ت" التي قتلت بعض الحشرات، وقتلت معها الكثير من الطيور المفيدة. ولذلك يقول الحق سبحانه:

{ولا تقف ما ليس لك به علم .. "36"}
(سورة الإسراء)


وعليك أن تدرس أي مخترع قبل استعماله؛ لترى نفعه وضرره قبل أن تستعمله. وقد رأينا من يدخلون الكهرباء إلى بيوتهم، يحاولون أن يرفعوا موقع "فيش" الكهرباء عن مستوى تناول الأطفال؛ كي لا يضيع طفل أصابعه في تلك الفتحات فتصعقهم الكهرباء، ووجدنا بعضاً من المهندسين قد صمموا أجهزة تفصل الكهرباء آلياً إن لمستها يد بشر.
وهذا هو درء المفسدة المقدم على جلب المنفعة، وعلينا أن نحتاط لمثل هذه الأمور. وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها نجد الحق سبحانه يقول:

{وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين "103"}
(سورة يوسف)


وهل قوله:

{أكثر الناس .. "103"}
(سورة يوسف)


نسبة للذين لا يؤمنون، يعني أن المؤمنين قلة؟
نقول: لا؛ لأن "أكثر" قد يقابله "أقل"، وقد يقابله "الكثير". ويقول الحق سبحانه:

{ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب .. "18"}
(سورة الحج)