25-10-2011, 09:23 PM
|
#824
|
مراقب عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 29965
|
تاريخ التسجيل : 03 2010
|
أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
|
المشاركات :
34,379 [
+
] |
التقييم : 253
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Royalblue
|
|
تفسير سورة الكهف - الآية: 39
| (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولداً"39") | يريد أن يعلمه سبيل الإيمان في استقبال النعمة، بأن يرد النعم إلى المنعم؛ لأن النعمة التي يتقلب فيها الإنسان لا فضل له فيها، فكلها موهوبة من الله، فهذه الحدائق والبساتين كيف آتت أكلها؟ إنها الأرض التي خلقها الله لك، وعندما حرثتها حرثتها بآلة من الخشب أو الحديد، وهو موهوب من الله لا دخل لك فيه، والقوة التي أعانتك على العمل موهوبة لك يمكن أن تسلب منك في أي وقت، فتصير ضعيفاً لا تقدر على شيء.
إذن: حينما تنظر إلى كل هذه المسائل تجدها منتهية إلى العطاء الأعلى من الله سبحانه. خذ هذا المقعد الذي تجلس عليه مستريحاً وهو في غاية الأناقة وإبداع الصنعة، من أين أتى الصناع بمادته؟ لو تتبعت هذا لوجدته قطعة خشب من إحدى الغابات، ولو سألت الغابة: من أين لك هذا الخشب لأجابتك من الله.
لذلك يعلمنا الحق سبحانه وتعالى الأدب في نعمته علينا، بقوله:
{أفرأيتم ما تحرثون "63" أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون "64"}
(سورة الواقعة)
هذه الحبة التي بذرتها في حقلك، هل جلست بجوارها تنميها وتشدها من الأرض، فتنمو معك يوماً بعد يوم؟ إن كل عملك فيها أن تحرث الأرض وتبذر البذور، حتى عملية الحرث سخر الله لك فيها البهائم لتقوم بهذه العملية، وما كان بوسعك أن تطوعها لهذا العمل لولا أن سخرها الله لك، وذللها لخدمتك، كما قال تعالى:
{وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون "72"}
(سورة يس)
ما استطعت أنت تسخيرها.
إذن: لو حللت أي نعمة من النعم التي لك فيها عمل لوجدت أن نصيبك فيها راجع إلى الله، وموهوب منه سبحانه. وحتى بعد أن ينمو الزرع ويزهر أو يثمر لا تأمن أن تأتيه آفة أو تحل به جائحة فتهلكه؛ لذلك يقول تعالى بعدها:
{لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون "65" إنا لمغرمون "66" بل نحن محرومون"67"}
(سورة الواقعة)
كما يقول تعالى:
{إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين "17" ولا يستثنون "18" فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون "19" فأصبحت كالصريم"20"}
(سورة القلم)
وكذلك في قوله تعالى:
{أفرأيتم الماء الذي تشربون "68" أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون "69"}
(سورة الواقعة)
هذا الماء الذي تشربونه عذباً زلالاً، هل تعرفون كيف نزل؟ هل رأيتم بخار الماء الصاعد إلى الجو؟ وكيف ينعقد سحاباً تسوقه الريح؟ هل دريتم بهذه العملية؟
{لو نشاء جعلناه أجاجاً .. "70"}
(سورة الواقعة)
أي: ملحاً شديداً لا تنتفعون به.
فحينما يمتن الله على عبيده بأي نعمة يذكرهم بما ينقضها، فهي ليست من سعيهم، وعليهم أن يشكروه تعالى عليها لتبقى أمامهم ولا تزول، وإلا فليحافظوا عليها هم إن كانت من صنع أيديهم!
وكذلك في مسألة خلق الإنسان يوضح سبحانه وتعالى أنه يمنع الحياة وينقضها بالموت، قال تعالى:
{أفرأيتم ما تمنون "58" أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون "59" نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين "60"}
(سورة الواقعة)
فإن كنتم أنتم الخالقين، فحافظوا عليه وادفعوا عنه الموت. فذكر سبحانه النعمة في الخلق، وما ينقض النعمة في أصل الخلق. أما في خلق النار، فالأمر مختلف، حيث يقول تعالى:
{أفرأيتم النار التي تورون "71" أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون "72"}
(سورة الواقعة)
فذكر سبحانه قدرته في خلق النار وإشعالها ولم يذكر ما ينقضها، ولم يقل: نحن قادرون على إطفائها، كما ذكر سبحانه خلق الإنسان وقدرته على نقضه بالموت، وخلق الزرع وقدرته على جعله حطاماً، وخلق الماء وقدرته على جعله أجاجاً، إلا في النار، لأنه سبحانه وتعالى يريدها مشتعلة مضطرمة باستمرار لتظل ذكرى للناس، لذلك ذيل الآية بقوله تعالى:
{نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين "73"}
(سورة الواقعة)
كما نقف في هذه الآيات على ملمح من ملامح الإعجاز ودقة الأداء القرآني؛ لأن المتكلم رب يتحدث عن كل شيء بما يناسبه، ففي الحديث عن الزرع ـ ولأن للإنسان عملاً فيه مثل الحرث والبذر والسقي وغيره ـ نراه يؤكد الفعل الذي ينقض هذا الزرع، فيقول:
{لو نشاء لجعلناه حطاما .. "65"}
(سورة الواقعة)
حتى لا يراودك الغرور بعملك. أما في الحديث عن الماء ـ وليس للإنسان دخل في تكوينه ـ فلا حاجة إلى تأكيد الفعل كسابقه، فيقول تعالى:
{لو نشاء جعلناه أجاجاً .. "70"}
(سورة الواقعة) |
|
|
|