13-07-2003, 05:30 PM
|
#21
|
عـضو أسـاسـي
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 2160
|
تاريخ التسجيل : 08 2002
|
أخر زيارة : 26-11-2007 (11:33 AM)
|
المشاركات :
1,193 [
+
] |
التقييم : 38
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
مصافحــة :
باي عين أبكي جدتـي ؟!
( 2 )
جدتي قصيرة القامة ، ولحمهــا الكاسي لعظامهـا قليل .. ذات وجه دائري ، وعينين واسعتين .. أجهدت من وجع السنين .. والحمل ، والولادة .. والضنى .. فقد تحرك ، وتقلّب في أحشائهـا ستة عشر جنيناً .. أخذ المعطي نصفهم ، وأبقى نصفهم الأخر .. فرضت .. وشكرت .. ورجائهـا .. يكونون حجاباً لهـا يوم يفر المرء من أقرب الناس له .. قبل ثمانين عام .. كانت بعمر الزهور في التاسعة ربيعاً .. في قرية تحيط بهـا بعض بساتين النخيل .. وفي المساء ، والشفق ما زل في حمرته .. وتباشير الليل مقبلة .. تمتلئ الممررات الضيقة بين المساكن .. بأغنام وخراف القرية .. آيبة إلى مهاجعهـا داخل الدور الطينة كأن تلك الحيوانات الأليفة جزء بل كل من كل أسرة .. فيكون للمساء رائحته .. ونغمــه الممتزج مع صراخ الأطفال ، وكأنهم يستقبلون زائرا عزيزاً ، غائبا له كل الوله ، والشوق .. تعود تلك الأغنام .. وملامح التعب قد بانت ، والإجهاد قد أضناها ، بعضاً منهن فراق صغاره فتشعر بشوقها ، و أمومتها الحيوانية ، وفطرتـها من مشيتها .. من ثغائهـا .. من تسارع خطاهـا كلما دنت من الدار .. يا لروعة الموقف ، وأثره المبكي حين تهرع صغارهـا ترتمي تحتها ، تمص بشغف ثدي أمهم .. ليس عطشاً ، وإنما حنانا افتقدوه لغيابهـا .. لشعور الخوف أن لا تعود .. رحماك يا خالقي .. كم هي ذنوبنا ، وكم هي معاصينــا .. بمثل تلك الأغنام ، ، ومن أجلهــا تمنحنـا القطر !! تلك صورة ماثلة في ذاكرة جدتي مئات المرات حكتهـا .. ومئات المرات سرحــت لتعود مع صداها إلى مرا تعها ، وأيام طفولتـها ..
* ذات يوم .. ذات صباح .. قادة الأقدار جدي لشراء أغنام من تلك القرية .. فكان قدره لتكون جدتي زوجته ، وأم أطفاله .. كان في شبابه ، وزهوه .. حين كان ينتعل الممرات الضيقــة حافي القدم .. فيصده في منتصفها أطفالا يعبثون بالتراب منهن جدتي حين كانت طفلة .. كانت زهرة جوري فواحة .. يرسمون حلماً ، وعصفور بحبات الرمل .. ويحكون قصصاً ، ويبنون قصوراً .. وبحرا يتخيلونه .. لا يعرفوا ما تضمه شواطئه ؟! .. ويحمله قاعه .. يبحرون فيه على بقايا سعف النخيل كأنهم طيور نورس يخفق بجناحيه يعانق عباب البحر في مده ، وجزره .. بسيطين في كل شيء إلا برأتهم صادقة لا تعرف الزيف ؟! يشتركون في الفقر ، ونوع اللبس ، والمأكل .. كل له عنزته كطفل ، وطفلة تبناهـا ، و وسمّها باسم .. ليبوحوا لهـا ، ويناجونهـا .. يودعونهـا ، ويستقبلونهـا ، ومن ثديهـا يكون شرابهم .. وغبوطهم .. تداعيات لا حصر لهــا تتراءى ما ثلة باللون والحركة والصوت من ذاكرة جدتي التي شارفت نهاية كهولتها ..!! لم يطل جدي وقوفاً .. فقد انحنى على طفلة انتقتها عينيهـا -- نعم الانتقاء كان خياره -- سألهـا عن اسمها .. فزعــت .. تلعثمت .. رفعت رأسهـا ، وراحتيها الصغيرتين ملأى بالرمل الممزوج بأحلامها ، وعرق كفيهـا فتناثر ما فيها على وجه جدي .. الذي أدمت عينيه دموعاً للسع حبيبات الرمل جفونه .. هربت كالفراشة من سربها إلى دارهـم .. تعدو وضفائرها تتراقص على كتفيها النحيلين ، وجدي خلفها يخطو على إيقاع أنفاسها ، وصوت هامس لضفائرها له نغم .. له خوف لِم يجول في رأسه .. ولجت دارهم أقفلت دونها الباب المكسور .. العاري ، والكاشف لبهو البيت .. طرق الباب .. لم يتردد .. لم يتلعثم .. لم يخشى الموقف .. أتخذ القرار .. كان أبوها كريما .. وأكثر ثقة .. لم يطل بهم الحديث .. بدأ بما أتى من أجله .. شراء أغنام .. وأنتهي بخطبته بجدتي .. عاد في الغد بالأغنام ، وجدتي زوجة .. لا تعرف إلا أنها انتزعت من جذورهـا ، وعنزتها ، ومع منْ شاب ملئت عينيه تراب ، لا تجرؤ إلى النظر في وجهــه .. بقيت ثلاثة أعوام طفلة مع أم جدي وبناتها .. لا تعي ما حدث ؟! لا تفهــم ما حصل ..؟! بعدها أقيم عرسهـا لتكون أماً وما بعد تجاوزت طفولتهـا .. هنا تتوقف جدتي عن بوحها لتبكي طفلهـا ، وهي طفلة لافتقادها إياه .. وهنا أشعر أنا برغبتي في البكاء .. !!.
|
|
|