ياأخوان [ يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ]
يقول الأمام سيد قطب رحمه الله (في ظلال القرآن) :
فالكل مكشوف ... مكشوف الجسد ... مكشوف النفس ... مكشوف الضمير ... مكشوف العمل ... مكشوف المصير ... وتسقط جميع الأستار التي كانت تحجب الأسرار ، وتتعرى النفوس تعري الأجساد ، وتبرز العيوب بروز الشهود ... ويتجرد الإنسان من حيطته ومن مكره ومن تدبيره ومن شعوره ، ويفتضح منه ما كان حريصاً على أن يستره حتى عن نفسه! وما أقسى الفضيحة على الملأ . وما أخزاها على عيون الجمع! أما الخالق فكل خافية مكشوفة له في كل آن . ولكن لعل الإنسان لا يشعر بهذا حق الشعور ، وهو مخدوع بستور الأرض . فهاهو ذا يشعر به كاملاً وهو مجرد في يوم القيامة . وفي كل شيء بارز في الكون كله . الأرض مدكوكة مسواة لاتحجب شيئاً وراء نتوء ولا بروز ، والسماء متشققة واهية لاتحجب وراءها شيئاً . والأجسام معراة لايسترها شيء . والنفوس كذلك مكشوفة ليس من دونها ستر وليس فيها سر!
ألا إنه لأمر عصيب . أعصب من دك الأرض والجبال ، وأشد من تشقق السماء! وقوف الإنسان عريان الجسد ، عريان النفس ، عريان المشاعر ، عريان التاريخ ، عريان العمل ماظهر منه وما استتر ؛ أمام تلك الحشود الهائلة من خلق الله من الإنس والجن والملائكة ، وتحت جلال الله وعرشه المرفوع فوق الجميع .
وإن طبيعة الإنسان لمعقدة شديدة التعقيد! ففي نفسه منحنيات شتى ودروب تتخفى فيها نفسه وتتدسس بمشاعرها ونزواتها وهفواتها وخواطرها وأسرارها وخصوصياتها . وإن الإنسان ليصنع أشد مما تصنعه القوقعة الرخوة الهلامية حين تتعرض لوخزة إبرة فتنطوي سريعاً وتنكمش داخل القوقعة وتغلق على نفسها تماماً . إن الإنسان ليصنع أشد من هذا حين يحس أن عيناً تدسست عليه فكشفت منه شيئاً مما يخفيه ، وإن لمحة أصابت منه درباً خفياً أو منحنياً سرياً! ويشعر بقدر عنيف من الألم الواخز حين يطلع عليه أحد في خلوة من خلواته الشعورية .
فكيف بهذا المخلوق وهو عريان ، عريان حقاً ، عريان الجسد والقلب والشعور والنية والضمير . عريان من كل ساتر! عريان ... كيف به وهو كذلك تحت عرش الجبار ، وأمام الحشد الزاخر بلا ستار؟!
ألا إنه لأمر ، أمرُّ من كل أمر!!!
---------------
|