عرض مشاركة واحدة
قديم 14-01-2012, 09:03 PM   #7
المشتاق الى الجنة
عضو مجلس اداره سابق


الصورة الرمزية المشتاق الى الجنة
المشتاق الى الجنة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 32324
 تاريخ التسجيل :  11 2010
 أخر زيارة : 05-11-2012 (04:00 PM)
 المشاركات : 100 [ + ]
 التقييم :  192
لوني المفضل : Cadetblue


الفصل التاسع

النظرية المادية للحياة ومفاسد هذه النظرية

هناك نظرتان للحياة : نظرة مادّيّة للحياة ، ونظرة صحيحة ، ولكل من النظرتين آثارها :

أ - فالنظرة الماديّة للحياة معناها :

أن يكون تفكير الإنسان مقصورًا على تحصيل ملذاته العاجلة ، ويكون عمله محصورًا في نطاق ذلك ، فلا يتجاوز تفكيره ما وراء ذلك من العواقب ، ولا يعمل له ، ولا يهتم بشأنه ، ولا يعلم أن الله جعل هذه الحياة الدنيا مزرعة للآخرة ، فجعل الدُّنيا دارَ عمل ، وجعل الآخرة دار جزاء ، فمن استغل دنياه بالعمل الصالح ربحَ الدارين ، ومن ضيّع دنياه ضاعت آخرته : خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ .

فالله لم يخلق هذه الدنيا عبثًا بل خلقها لحكمة عظيمة ، قال تعالى : الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا .

وقال تعالى : إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا .

أوجد سبحانه في هذه الحياة من المتع العاجلة ، والزينة الظاهرة من الأموال والأولاد ، والجاه والسلطان ، وسائر المستلذات ما لا يعلمه إلا الله .

فمن الناس - وهم الأكثر - من قَصَر نظرهُ على ظاهرها ومفاتنها ، ومتَّع نفسَهُ بها ، ولم يتأمل في سرها ، فانشغل بتحصيلها وجمعها والتمتع بها عن العمل لما بعدها ؛ بل ربما أنكر أن يكون هناك حياة غيرها ، كما قال تعالى : وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ .

وقد توعد الله تعالى مَنْ هذه نظرتُهُ للحياة ؛ فقال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ .

وقال تعالى : مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .

وهذا الوعيد يشمل أصحابَ هذه النظرة ؛ سواء كانوا من الذين يعملون عمل الآخرة ؛ يريدون به الحياة الدنيا ، كالمنافقين والمرائين بأعمالهم ، أو كانوا من الكُفَّارِ الذين لا يؤمنون ببعث ولا حساب ، كحال أهل الجاهلية والمذاهب الهدامة من رأسمالية وشيوعية ، وعلمانية إلحادية ، وأولئك لم يعرفوا قدرَ الحياة ، ولا تعدو نظرتهم لها أن تكون كنظرة البهائم ، بل هم أضل سبيلًا ؛ لأنهم ألغَوا عقولهم ، وسخروا طاقاتهم ، وضيعوا أوقاتهم فيما لا يبقى لهم ، ولا يبقون له ، ولم يعملوا لمصيرهم الذي ينتظرهم ولا بُدَّ لهم منه .

والبهائم ليس لها مصيرٌ ينتظرها ، وليس لها عقول تفكر بها ، بخلاف أولئك ، ولهذا يقول تعالى فيها : أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا .

وقد وصف الله أهل هذه النظرة بعدم العلم ، قال تعالى : وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ .

فهم وإن كانوا أهل خبرة في المخترعات والصناعات ؛ فهم جُهَّالٌ لا يستحقون أن يُوصَفوا بالعلم ؛ لأن علمهم لم يتجاوز ظاهر الحياة الدنيا ، وهذا علم ناقص لا يستحق أصحابه أن يطلق عليهم هذا الوصف الشريف ، فيقال : العلماء ، وإنما يطلق هذا على أهل معرفة الله وخشيته ، كما قال تعالى : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ .

ومن النظرة المادية للحياة الدنيا : ما ذكره الله في قصة قارون ، وما آتاه الله من الكنوز : فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ .

فتمنَّوا مثله وغبطوه ، ووصفوه بالحظ العظيم بناءً على نظرتهم المادية ، وهذا كما هو الحال الآن في الدول الكافرة ، وما عندها من تقدّم صناعي واقتصادي ، فإنَّ ضعافَ الإيمان من المسلمين ينظرون إليهم نظرة إعجاب دون نظر إلى ما هم عليه من الكفر ، وما ينتظرهم من سوء المصير ، فتبعثهم هذه النظرة الخاطئة إلى تعظيم الكفار واحترامهم في نفوسهم ، والتشبه بهم في أخلاقهم وعاداتهم السيئة ، ولم يقلدوهم في الجد وإعداد القوة والشيء النافع من المخترعات والصناعات ، كما قال تعالى : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ .
ب - النظرة الثانية للحياة : النظرة الصحيحة
وهي : أن يعتبر الإنسان ما في هذه الحياة من مال وسلطان وقوى مادية وسيلةً يُستعان بها لعمل الآخرة .

فالدنيا في الحقيقة لا تُذمُّ لذاتها ، وإنما يتوجه المدح والذّمّ إلى فعل العبد فيها ، فهي قنطرة ومعبر للآخرة ، ومنها زادُ الجنة ، وخيرُ عيش ينالُه أهل الجنة إنَّما حصل لهم بما زرعوه في الدنيا .

فهي دار الجهاد ، والصلاة والصيام ، والإنفاق في سبيل الله ، ومضمار التسابق إلى الخيرات .

يقول الله تعالى لأهل الجنة : كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ يعني : الدنيا .

الفصل العاشر

في الرقى والتمائم
أ - الرقى :
جمع رُقية ، وهي : العُوذَةُ التي يُرقى بها صاحبُ الآفة كالحمَّى والصَّرع ، وغير ذلك من الآفات ، ويُسمونها العزائم ، وهي على نوعين :

النوع الأول : ما كان خاليًا من الشِّرك ، بأن يُقرأ على المريض شيء من القرآن ، أو يُعَوَّذ بأسماء الله وصفاته ؛ فهذا مُباح ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد رَقى وأمر بالرُّقية وأجازها ، فعن عوف بن مالك قال : كنا نرقي في الجاهلية فقلنا : يا رسول الله ، كيف ترى في ذلك ؟ فقال : أعرِضوا عليَّ رُقاكُم ، لا بأسَ بالرقى ما لم تكن شركًا .

قال السيوطي : وقد أجمعَ العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط : أن تكون بكلام الله ، أو بأسماء الله وصفاته ، وأن تكون باللسان العربي ، وما يُعرفُ معناه ، وأن يُعتقَدَ أن الرقية لا تؤثر بذاتها ؛ بل بتقدير الله تعالى وكيفيتها : أن يُقرأ وينفثَ على المريض ، أو يقرأ في ماءٍ ويُسقاهُ المريض ، كما جاء في حديث ثابت بن قيس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ تُرابًا من بُطحان ، فجعله في قدحٍ ، ثم نفثَ عليه بماءٍ وصبَّه عليه

النوع الثاني : ما لم يخلُ من الشّرك : وهي الرقى التي يُستعانُ فيها بغير الله ، من دعاء غير الله والاستغاثة والاستعاذة به ، كالرقى بأسماء الجن ، أو بأسماء الملائكة والأنبياء والصالحين ؛ فهذا دعاء لغير الله ، وهُوَ شركٌ أكبر . أو يكون بغير اللسان العربي ، أو بما لا يُعرف معناه ؛ لأنه يُخشى أن يدخلها كفر أو شرك ولا يُعلمُ عنه ؛ فهذا النوع من الرقية ممنوع .
2- التمائم :
وهي جمع تميمة ، وهي : ما يعلق بأعناق الصبيان لدفع العين ، وقد يعلق على الكبار من الرجال والنساء ، وهو على نوعين :

النوع الأول من التمائم : ما كان من القرآن ؛ بأن يكتب آيات من القرآن ، أو من أسماء الله وصفاته ، ويعلقها للاستشفاء بها ؛ فهذا النوع قد اختلف فيه العلماءُ في حكم تعليقه على قولين :

القول الأول : الجوازُ ، وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو ظاهرُ ما رُوي عن عائشة ، وبه قال أبو جعفر الباقر ، وأحمد بن حنبل في رواية عنه ، وحملوا الحديث الوارد في المنع من تعليق التمائم على التمائم التي فيها شرك .

القول الثاني : المنع من ذلك ، وهو قول ابن مسعود وابن عباس ، وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر ، وابن عكيم ، وبه قال جماعة من التابعين منهم : أصحابُ ابن مسعود ، وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه ، وجزم بها المتأخرون ، واحتجوا بما رواهُ ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الرقى والتمائم والتولة شرك .

والتولة : شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها ، والرجل إلى امرأته .

وهذا هو الصحيح ؛ لوجوه ثلاثة :

الأول : عموم النهي ، ولا مخصص للعموم .

الثاني : سدّ الذريعة ؛ فإنَّها تفضي إلى تعليق ما ليس مباحًا .

الثالث : أنه إذا علق شيئًا من القرآن ، فقد يمتهنه المعلِّق بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك .

النوع الثاني من التمائم التي تعلق على الأشخاص : ما كان من غير القرآن ، كالخرز والعظام والودع والخيوط والنعال والمسامير ، وأسماء الشياطين والجن والطلاسم ، فهذا محرّم قطعًا ، وهو من الشرك ؛ لأنه تعلق على غير الله سبحانه وأسمائه وصفاته وآياته ، وفي الحديث : من تعلّق شيئًا وُكّل إليه أي : وكّله الله إلى ذلك الشيء الذي تعلَّقه ، فمن تعلّق بالله ، والتجأ إليه ، وفوّض أمره إليه كفاه ، وقرّب إليه كل بعيد ، ويسّر له كلّ عسير . ومن تعلّق بغيره من المخلوقين والتمائم والأدوية والقبور وكله الله إلى ذلك الذي لا يغني عنه شيئًا ، ولا يملك له ضرًّا ولا نفعًا ، فخسر عقيدته وانقطعت صلته بربه وخذله الله .

والواجب على المسلم : المحافظة على عقيدته مما يُفسدها أو يُخلّ بها ، فلا يتعاطى ما لا يجوز من الأدوية ، ولا يذهب إلى المخرفين والمشعوذين ليتعالج عندهم من الأمراض ؛ لأنهم يُمرضون قلبه وعقيدته ، ومن توكّل على الله كفاه .

وبعض الناس يعلّق هذه الأشياء على نفسه ، وهو ليس فيه مرض حسّي ، وإنما فيه مرض وهمي ، وهو الخوف من العين والحسد ، أو يعلقها على سيارته أو دابّته أو باب بيته أو دكانه . وهذا كله من ضعف العقيدة ، وضعف توكله على الله ، وإنَّ ضعف العقيدة هو المرض الحقيقي الذي يَجبُ علاجه بمعرفة التوحيد والعقيدة الصحيحة .

يتبع


 

رد مع اقتباس