05-05-2012, 09:08 AM
|
#1
|
عضومجلس إدارة في نفساني
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 26107
|
تاريخ التسجيل : 10 2008
|
أخر زيارة : 18-06-2013 (07:29 PM)
|
المشاركات :
9,896 [
+
] |
التقييم : 183
|
|
لوني المفضل : Cornflowerblue
|
|
حدائق المعروف
بسم الله الرحمن الرحيم :
| حدائق المعروف
الكتاب خرج مطبوعًا لدى مدار الوطن بالرياض
عام 1425هـ | | د. فيصل بن سعود الحليبي
|
الحديقة الأولى
ستر عورات المسلمين
الستر ـ يا أخي الحبيب ـ نوعان : ستر حسي ، وستر معنوي :
أما الستر المعنوي ، فهو أن تجد المسلم قد اقترف الذنب أو ارتكب الفاحشة فلا تفضحه ، بل تنهاه عن معصيته ، وتلين له في نصيحة ملؤها الرفق والشفقة ، وتستر عليه فلا تبوح بخطيئته ، ولا تعريه من ستر الله عليه .
لقد اعترف ماعز الأسلمي رضي الله عنه بلسانه بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم بالوقوع في فاحشة الزنا ، ومع هذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم يحاول معه أن يستر على نفسه ، وأن يتوب بينه وبين الله،فأخذ يقول له :
(( ويحك ، ارجع فاستغفر وتب إليه )) رواه مسلم ، فيرجع ماعز غير بعيد ، ثم يعود فيقول للنبي صلى الله عليه وسلم : طهرني ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له مثل ما قال ، حتى تكرر منه هذا الأمر ثلاث مرات ، فلما استيقن النبي صلى الله عليه وسلم من وقوعه في هذه الفاحشة ، وأنه يريد تطهير نفسه من درنها ، ويرجو أن يلقى الله وليس عليه وزرها ، أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يقيموا عليه الحد ، فذهبوا به فرجموه ، فلما أذلقته الحجارة ، هرب من مكانه من شدتها ، فأدركه الصحابة بالحجارة حتى مات ، وفي رواية لأبي داود : لما علم النبي صلى الله عليه وسلم بهروبه ، قال لهم : (( هلا تركتموه ؛ لعله أن يتوب فيتوب الله عليه )) ، ثم قال عنه : (( إنه الآن في أنهار الجنة ينغمس فيها )) .
فواعجبًا : ممن يتربصون لأي فاحشة تقع ، أو منكر يحصل ، لا ليخبروا الجهة المسؤولة عن ذلك فتنكره بالوسائل الشرعية ، بل ليطيروا بخبره بين الناس ، وينشرونه على الشبكات المعلوماتية وغيرها ، إنها شهوة نقل الخبر التي عمت وطمت من غير سلوكٍ لوسائل النقل الصحيحة من التثبت والتأكد والستر والأدب ،فأين هؤلاء من أسس النصح الشرعي ؟ وأين هم من قول الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } .
وليخف هؤلاء من الفضيحة على أنفسهم إذا لم يتركوا تتبع عورات الناس ، فإن أبا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ : نَادَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَسْمَعَ الْعَوَاتِقَ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَةَ أَخِيهِ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ ) رواه أحمد وهو صحيح لغيره ، وإسناده حسن .
وأما الستر الحسي ، فهو أن تحسن إلى عارٍ من الثياب فتكسوه عن أعين الناس ، فو الله إن هذا لمن هدي الحبيب صلى الله عليه وسلم ، ولقد جمعت قصة ماعز الأسلمي رضي الله عنه هذين السترين ، فقد جاء في روايةٍ لأبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم رغّب رجلاً يقال له هزّال بستر ماعز فقال له : (( لو سترته بثوبك لكان خيرًا لك )) رواه أبو داود .
فتأمل يا رعاك الله كيف يحرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يستر على المسلمين عوراتهم حسًا ومعنى ، أحياءً وأمواتًا .
ولتصغ أيها الموفق لحديثٍ دار بين رجلين من سلف الأمة ، يتذاكرون فيه هدي المصطفى عليه الصلاة والسلام في ستره للمسلمين ، فهاهو ذا عَبْدُ اللَّهِ الْهَوْزَنِيُّ يقول : لَقِيتُ بِلَالًا مُؤَذِّنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَلَبَ ، فَقُلْتُ : يَا بِلَالُ ، حَدِّثْنِي كَيْفَ كَانَتْ نَفَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَا كَانَ لَهُ شَيْءٌ، كُنْتُ أَنَا الَّذِي أَلِي ذَلِكَ مِنْهُ مُنْذُ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ ، وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ الْإِنْسَانُ مُسْلِمًا فَرَآهُ عَارِيًا يَأْمُرُنِي فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَقْرِضُ فَأَشْتَرِي لَهُ الْبُرْدَةَ فَأَكْسُوهُ وَأُطْعِمُهُ ، حَتَّى اعْتَرَضَنِي رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ : يَا بِلَالُ ، إِنَّ عِنْدِي سَعَةً فَلَا تَسْتَقْرِضْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا مِنِّي ، فَفَعَلْتُ فَلَمَّا أَنْ كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ تَوَضَّأْتُ ثُمَّ قُمْتُ لِأُؤَذِّنَ بِالصَّلَاةِ ، فَإِذَا الْمُشْرِكُ قَدْ أَقْبَلَ فِي عِصَابَةٍ مِنَ التُّجَّارِ ، فَلَمَّا أَنْ رَآنِي قَالَ : يَا حَبَشِيُّ ، قُلْتُ : يَا لَبَّاهُ ، فَتَجَهَّمَنِي ، وَقَالَ لِي قَوْلًا غَلِيظًا ، وَقَالَ لِي :أَتَدْرِي كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّهْرِ ، قَالَ : قُلْتُ قَرِيبٌ ، قَالَ : إِنَّمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَرْبَعٌ فَآخُذُكَ بِالَّذِي عَلَيْكَ فَأَرُدُّكَ تَرْعَى الْغَنَمَ كَمَا كُنْتَ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَأَخَذَ فِي نَفْسِي مَا يَأْخُذُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ ، حَتَّى إِذَا صَلَّيْتُ الْعَتَمَةَ ، رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى أَهْلِهِ ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ ، فَأَذِنَ لِي ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ؛ إِنَّ الْمُشْرِكَ الَّذِي كُنْتُ أَتَدَيَّنُ مِنْهُ قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا ، وَلَيْسَ عِنْدَكَ مَا تَقْضِي عَنِّي وَلَا عِنْدِي ، وَهُوَ فَاضِحِي ، فَأْذَنْ لِي أَنْ آبَقَ إِلَى بَعْضِ هَؤُلَاءِ الْأَحْيَاءِ الَّذِينَ قَدْ أَسْلَمُوا حَتَّى يَرْزُقَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم مَا يَقْضِي عَنِّي ، فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا أَتَيْتُ مَنْزِلِي فَجَعَلْتُ سَيْفِي وَجِرَابِي وَنَعْلِي وَمِجَنِّي عِنْدَ رَأْسِي حَتَّى إِذَا انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ الْأَوَّلِ ، أَرَدْتُ أَنْ أَنْطَلِقَ فَإِذَا إِنْسَانٌ يَسْعَى يَدْعُو : يَا بِلَالُ، أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ ، فَإِذَا أَرْبَعُ رَكَائِبَ مُنَاخَاتٌ عَلَيْهِنَّ أَحْمَالُهُنَّ ، فَاسْتَأْذَنْتُ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبْشِرْ ؛ فَقَدْ جَاءَكَ اللَّهُ بِقَضَائِكَ ، ثُمَّ قَالَ أَلَمْ تَرَ الرَّكَائِبَ الْمُنَاخَاتِ الْأَرْبَعَ ؟ فَقُلْتُ : بَلَى ، فَقَالَ : إِنَّ لَكَ رِقَابَهُنَّ وَمَا عَلَيْهِنَّ ؛ فَإِنَّ عَلَيْهِنَّ كِسْوَةً وَطَعَامًا أَهْدَاهُنَّ إِلَيَّ عَظِيمُ فَدَكَ فَاقْبِضْهُنَّ وَاقْضِ دَيْنَكَ ، …[ وفي الحديث أن بلالاً لما قضى دين رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك ] فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللَّهَ شَفَقًا مِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ وَعِنْدَهُ ذَلِكَ ) رواه أبو داود وصححه الألباني .
الستر خلق جميل تجود به النفوس الكبيرة ، التي تنزه أرواحها من أن تملأ مجالسها بالكلام في أعراض الناس ، وترفع أقلامها أن تسطر أخطاءهم ، وتطهّر أسماعها أن تصغي لعوارهم ، ويا لروعة الستر الجميل ؛ فإن فيه اعترافًا بفضل الله الذي سترنا بأجمل الثياب بعد أن ولدنا عراة ، { يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } .
وتكرم علينا فلم يفضحنا أمام خلقه بذنوبنا وتقصيرنا وقد رآنا ونحن نرتكبها ، وهل هناك أعظم سترًا من أن يسترك الله في يوم تنكشف فيه السوءات ، وتبدو فيه الذنوب ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ ، فَيَقُولُ : أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ ، قَالَ : سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ : ( هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) رواه البخاري .
فاسْقِ ـ أيها الحبيب ـ حديقة الستر على المسلمين بماء الإخلاص لتحصد جناها الطيب ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ في الدنيا والآخرة ) رواه مسلم .
اللهم استرنا بسترك الجميل ، وعفوك الكريم ، يا رحيم يا حليم .
|
|
|