05-05-2012, 09:10 AM
|
#2
|
عضومجلس إدارة في نفساني
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 26107
|
تاريخ التسجيل : 10 2008
|
أخر زيارة : 18-06-2013 (07:29 PM)
|
المشاركات :
9,896 [
+
] |
التقييم : 183
|
|
لوني المفضل : Cornflowerblue
|
|
الحديقة الثانية
حديقة قضاء حوائج المسلمين
دعني أيها الأخ الكريم أمهد لك الحديث عن هذه الحديقة بهذه الواقعة التي رواها لي أحد المشايخ الفضلاء (1) : فقد تحرّك الشاب الذي يبلغ عمره ثماني عشرة سنة تقريبًا بسيارته منفردًا من الأحساء متجهًا إلى مدينة الدمام ، وقد كان مصابًا بالربو المزمن ، وما إن وصل إلى أقربائه هناك إلا أحس بحشرجة في صدره ، هي علامات يعرفها المصابون بالربو على أنها بداية لأزمة خطيرة تحتاج إلى تصرف سريع وحكيم ، والتفاف حول المصاب ، ومراعاة دقيقة لصحته .
ولأن هذا الشاب يدرك أنه قد يصاب بالإغماء أو السقوط لفترة ما ، خشي على نفسه من أن يقع أمام من ذهب لزيارتهم ، فيصاب بالقلق أو الإحراج النفسي ، فعزم على العودة إلى الأحساء فور وصوله ، وأحس من حوله بضيق في صدره ، وضعف في تنفسه ، فعزموا عليه ألا يعود في مثل هذه الحال ، وأصروا عليه بوجوه مختلفة ، فأبى ذلك كله ، فركب سيارته عائدًا إلى بلده ، تمر الدقائق عليه ثقيلة وئيدة ، كل دقيقة منها تحبس جزءًا من نفسه ، يتلفت حوله فلا يرى أبًا حانيًا يشفق عليه بنجدة ، ولا أمًا تظلله برحمة ، ولا أخًا يسنده بإسعاف ، ويحدق أمامه فلا يبصر إلا امتداد الطريق الذي لم تعد قواه قادرة على إنهائه ، فلما انتصف الطريق ، اشتد به الكرب ، وفقد توازنه ، وزاغت عيناه ، وأحس بقرب أجله ، وشعر بأن كل شيء انتهى ، أوقف سيارته تحت جسر قريب ، لم يكن يملك قوة تعينه على طلب النجدة من المارين على هذا الطريق ، فقد الأمل في كل شيء ، فتوجه إلى الله تعالى ، يسلم إليه أمانة الروح ، فريدًا وحيدًا على سفر ، لم يحسن أن يفعل شيئًا سوى أنه خرج من سيارته بلا شعور ، فتمدد على مقدمتها ، علَّ الله تعالى أن يرحم ضعفه ، وينظر إلى غربته بعين الرأفة ، هنا وفي هذه اللحظة غاب عن حاله ، وغدا كمغمًى عليه لا يدري ماذا يجري له ، كل الذي يعلمه أنه أوشك على مفارقة الحياة ، وتوديع زينتها .
غير أن رحمة الله كانت تترقبه ، كيف وهو الرحيم الغفور ، الودود الحليم سبحانه .
وإذا دجى ليلُ الخطوبِ وأظلمت *** سبلُ الخلاصِ وخاب فيها الآملُ
وأيسْتَ من وجه النجاة فمالها *** سببٌ ولا يدنو لها مُتناوِلُ
يأتيك من ألطافه الفرجُ الذي *** لم تحتسبه وأنت عنه غافلُ ويمر أحد المسافرين ، ليرى ذلك الشاب الغض ممددًا على سيارته ، غائبًا عن شعوره ، لا يرى فيه أثرًا لحادث أو سببًا مباشرًا لهذه الحال ، لم يتح لنفسه كثيرًا من التساؤلات ، بل قطعها بإغاثة هذا المسكين ، فما أن أمسكه بيده ، حتى أحس بحركة بطيئة في يدي هذا الشاب ، يشير بيديه إلى أنفه وفمه ، مبينًا له بذلك أنه لم يعد له نفس يعيش به ، فرح صانع المعروف بحياته ، وأحس بأن الله أرسله إليه لينقذه على يده ، تحرك بسرعة لأخذه إلى طبيب حاذق في شأن أمراض الصدر بمدينة قريبة ، فما إن وصَل إلى هناك قام الطبيب بالأمانة الملقاة على عاتقه خير قيام ، وصانع المعروف واقف على رأسه يرقب ذلك النفس المتقطع ، والصدر المتحشرج ، نسي سفره الذي خرج من أجله ، وترك الدنيا من ورائه ، وأقبل على إنقاذ روح كادت أن تفارق صاحبها ، ليعيدها بأمرِ الله إليه ، لا لمعرفة سابقة ، ولا لمصلحة دنيوية لاحقة ، إنما حب صنيع المعروف الذي أكرمه الله به ، وما زال كذلك يرقب الشاب بعينيه ، ويحيطه برعايته ، ويلهج لسانه بالدعاء له ، أن يمن الله عليه بالشفاء ، ويعيده إلى الحياة ، وشيئًا فشيئًا حتى سمع الأنفاس تتراجع ، والأزمة تِخف ، والأطراف تتحرك ، وبدأ نور العينين يخفق ببصيص من الحياة ، وصانع المعروف يحدق في وجه الطبيب يبحث عن الأمل في وجهه ، يتلمس ابتسامة النجاة على ثغره ، لحظات ولحظات ورحمة ربك قريب من المحسنين ، بدأت الحياة تدب في أوصال ذلك الشاب ، وبدأت أسارير وجه الطبيب تتهلل بشرًا ، وتبشر بالحياة من جديد ، حينها تعرّف صانع المعروف على هاتف منزل أهل المصاب من المصاب نفسه ، واختفى من المستشفى حتى لا يتعرف عليه أحد ، وذهب ليتم معروفه بنجاح وحكمة ليتصل على أهل المصاب ،فأخبرهم خبر ابنهم ومكانه ..
ولكن : من أنت أيها المتحدث ؟ من أنت وفقك الله ؟ من أنت يا صانع المعروف ؟! أخبرنا باسمك ، دعنا نحدّث الناس بشهامتك ، دعنا نصف للناس معروفك ، دعنا نردُّ لك شيئًا من جميلك ، وأي جميل يمكن أن يُرد لمثلك وقد كنت سببًا في رد الحياة إلى ابننا بإذن ربه سبحانه ، أما لنا نصيب من إكرامك ، والإحسان إليك ؟
فاعل خير .. فقط .. كلمتان أجاب بهما صانع المعروف محتسبًا أجره على الله الرحمن الرحيم ، ألا بوركت يا صاحب الخير كفاك ، وسددت خطاك ، وحفظك الله من كل سوء ورعاك ، وبارك الله لك في صحتك ،وحياتك ، وذريتك ، وجعل الجنة مأوانا ومأواك .
قال لي الشيخ : ولا زالت الأكف الضارعة ترفع إلى الله تعالى بالدعاء لصانع المعروف هذا كلما سنحت فرصةٌ لتذكر معروفه .
حاجة قضاها لأخيه وأي حاجة !! إنه نفسه التي بين جوانحه ، فأي سعادة غامرة سيسعد بها هذا الشهم بعد إنقاذه لأخيه ، وأي فلاح سلك طريقه بإسعافه ، إنه الفلاح الذي قال الله فيه : { وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } 77 الحج .
أخي الموفق : لا تتردد أن تقضي حاجة لأخيك ، ولو على حساب وقتك أو جهدك ، وثق في خالقك بأنه سيكون في حاجتك ، يخفف عنك همك ، ويرفع عنك غمك ، ويبارك لك في رزقك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ) رواه البخاري .
ويقول ‘ كذلك : ( صنائع المعروف تقي مصارع السوء ) رواه الطبراني وهو حديث حسن .
ويقول كذلك : (وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ) متفق عليه .
ولعلك سمعت عن قصة البطل وكيل الرقيب : جمهور بن عبد الله الغامدي رحمه الله الذي أسعده الله بإنقاذ أب وطفليه من الغرق في شاطئ نصف القمر ، وذلك حينما تلقى نداءات الاستغاثة وهو في طريقه إلى بيت الله ليؤدي صلاة العصر ، فلم يتأخر لحظة في استجابته لنداءات الضمير وصوت المعروف ، فأخذ يشق طريقه بين أمواج البحر ، محاولاً إنقاذ أرواح الثلاثة الذين شارفوا على الغرق ، فتمكن أولاً من إنقاذ والدهم وأوصله إلى نقطة قريبة ليتولى زميله إيصاله إلى شاطئ الأمان ، وعاد من فوره في همة متناهية ، وتضحية منقطعة النضير ، إلى الطفلين ليمد لهما يداه الموفقتين ، فتلقفهما بشفقته وحنا عليهم بأبوته ، مرخصًا في إنقاذهما روحه وحياته ، فأكرمه الله بإنقاذهما كذلك ، حينها لم تسعفه قوته أن يصل إلى ساحل السلامة ، حيث شعر بالإرهاق ، وفقد السيطرة على نفسه بين دوامة البحر ، فجرته أمواجها إلى داخله ، وكلّت قواه ، ورويدًا رويدًا حتى خفت ضياء الحياة بين عينيه فكانت الشهادة في سبيل الله الوسام الذي ينتظره ، كذلك نحسبه والله حسيبه ، فاختفى هذا البطل عن الأنظار ، وغرق في لجة البحر ، بعد أن نحت ببطولته أروع لوحات الفداء والإيثار ، حقًا إنها نماذج وبطولات فريدة في زماننا هذا ، ولكن لا أملك إلا أن أقول : رحمك الله يا جمهور رحمة واسعة ، وأسكنك فسيح جناته ، وأنزلك منازل الشهداء والصالحين ، إنه برٌ رؤوف رحيم .
حاجة أخيك : همٌ تخففه عنه ، ونجدة تسعفه بها ، ودين تقضيه عنه ، ومال تقرضه إياه ، ونقيصة تدفعها عن عرضه ، ورفقة تؤنسه بها ، ودعاء له تخفيه عنه ، وكل عون في بِر ، وكل مساعدة في خير ، صنائع تنال بها محبة الله ، وتفوز من أجلها برضاه .
|
|
|