08-05-2012, 12:07 PM
|
#6
|
عضومجلس إدارة في نفساني
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 26107
|
تاريخ التسجيل : 10 2008
|
أخر زيارة : 18-06-2013 (07:29 PM)
|
المشاركات :
9,896 [
+
] |
التقييم : 183
|
|
لوني المفضل : Cornflowerblue
|
|
الحديقة الرابعة
حديقة الرحمة إنها حديقة يفوح شذاها فلاً ووردًا ، وتميس أغصانها طربًا لمقدم أصحاب القلوب الرحيمة ، القلوب التي تربت على الخضوع بين يدي الرحيم ، فلانت لخلقه ، ورأفت بعباده ، طلبًا لرحمة ربهم ورأفته بحالهم .
رحماء ، هكذا أرادنا الخالق I ، من معين التعاطف نتزود ، ومن معين التراحم نستقي ، { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا } .
هذا نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يُنَاوَلُ صبياً تقعقع روحه في صدره تريد الخروجَ من جسده الصغير ، فهلت دمعات مباركات من عين النبي صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا هَذَا ؟! قَالَ : ( هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ ؛ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ ) متفق عليه .
لتعلم يا رعاك الله : أن الرحمة سبيل إلى الجنة أجمل به من سبيل ، كيف لا يكون كذلك وقد أدخل الله رجلاً الجنة بسبب رحمة ملأت جوانحه ، على ماذا ؟ لندع الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يروي لنا فصول القصة بأوجز عبارة وأدقها ، يقول عليه الصلاة والسلام : ( بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ ،فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ ، فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ ، فَقَال :َ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي ، فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ، ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا ؟ قَالَ : فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ ) متفق عليه .
ويا لتعاسة الفض الغليظ ، الإنسان عنده غير مرحوم ولو ببشاشة يرسمها على محياه ، فكيف بحيوان أبكم أصم ؟! بئست الحال حاله ، لست أنا ولا أنت قد حكمنا على هذا الجنس من الناس بالشقاوة ، بل رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم قد حكم عليه بذلك فقال : ( لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ ) رواه أحمد والترمذي وإسناده حَسَنٌ .
وهل بعد النار _ أيها المسلمون _ شقاوة ، هذه امرأة تستوجب النار وبئس القرار ؛ حينما انتكست فطرة الرحمة في قلبها المظلم بالجبروت ، يحدثنا عن مصيرها حبيبنا صلى الله عليه وسلم فيقول : ( عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ ؛ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا ، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ ) رواه البخاري .
هل جربت ـ يا أخي ـ كيف ستغمرك الرحمة مرة في زيارةِ مريضٍ أرّقَ الألم عينيه ، وأسهر الوجع ليله ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً ، إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ [ أي ثمر مخروف ومجتنى من الجنة ] ) رواه الترمذي وقال حديث حسن .
أخي الحبيب : مُدّ يدَ الكفالة ليتيمٍ فقَدَ حنانَ الأبوة ورضعَ بؤسَ فَقْدِها ، ليكون لك في معروفك هذا نصيب من قول الحبيب صلى الله عليه وسلم : ( وَأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا ؛ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ) رواه البخاري .
كن صدرًا ودودًا على أرملة فرّقَ الموتُ بينها وبين حبيبها ، فكسر الفراق قلبها ، وأثقلت الحاجة إلى الناس كاهلها ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ ) رواه البخاري .
اخفض ـ أيها الحبيب ـ جناح الرحمة لضعيف أضناه الأسى ، وفرق جمعه الضنى ، فإن الله يقول : { فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر } .
ظلل بخيام الرحمات على زوجتك وبناتك ونسائك فإنهن مهما بلغن في علمٍ ومال يظللن في حاجتك وعطفك ، وتذكر يا باذر المعروف أن حصاده مبارك وجناه طيب ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قالت : ( جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا ، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا ، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا ، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا ، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ ) رواه مسلم .
وعليك بصلة الأرحام فإنها مشتقة من الرحمة ، ولسوف تذوق حلاوة ثمرها في الدنيا قبل الآخرة ، يَقُولُ النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) رواه مسلم .
وتذكر ـ يا من أغناك الله من فضله ـ أن خادمك ما أتى إلا لحاجة ماسة ألمت به ، وسوء عيش أرق ذريته ، فلا تقس عليه ، وتجاوز عن أخطائه ، يقول أنس رضي الله عنه : ( خَدَمْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ ؛ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ وَلَا لِمَ صَنَعْتَ وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ ) رواه البخاري .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : (( ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادمًا له قط ، ولا امرأة له قط ، ولا ضرب بيده إلا أن يجاهد في سبيل الله )) رواه أحمد وهو صحيح .
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( إن خادمي يسيء ويظلم ، أفأضربه ؟ قال : تعفو عنه كل يوم سبعين مرّة )) ، رواه أحمد والترمذي وهو صحيح .
فواعجبًا كيف نطلب المطر وقد قصرنا كثيرًا في حق ضعفائنا ، وقد نسينا حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ) رواه البخاري .
إن إعانة الضعيف من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، اتباعه مثوبة ، والدوام عليه شرف وكرامة ، فلقد (كان النبي صلى الله عليه وسلم : يتخلف في المسير ، فيزجي الضعيف [ أي : يسوقه برفق ] ويُردف
ويدعو له ) رواه أبو داود بإسناد حسن .
وما زال في الأمة مجاهدون اشتغلوا بالفقراء والمحتاجين ، يحنّون على ضعيفهم ، ويكسون عاريهم ، ويكفلون يتيمهم ، ويقومون على أرملتهم .
هذه قصة اشتُهِرت بين الناس ، لكنني أجد في ذكرها سلوة ، وفي سردها عبرة ، رجل يرى في منامه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يأتيه ويقول له : اذهب إلى فلان بن فلان في مكان كذا ، وبشره بالجنة ، فاستيقظ الرجل ، وحاول أن يستذكر شخص هذا الرجل الذي سماه له الرسول صلى الله عليه وسلم في رؤياه ، فلم يتذكر شخصًا يعرفه بهذا الاسم ، فذهب إلى أحد المعبرين للرؤى ، فقال له : أخبر صاحب الرؤيا بها ، فأخذ يسأل ويسأل ، حتى عرف قريته التي يسكنها ، فذهب إليها ، وسأل عن الرجل ، فدلّ عليه ، ثم التقاه فقال له : إني عندي لك بشرى ، ولكن لا أخبرك بها حتى تخبرني بأعمالك الصالحة ، فقال الرجل : ليس عندي ما يزيد على غيري من المسلمين ، قال : إذًا لا أخبرك ، وألحّ عليه بذلك طلبًا لمعرفة معروفه الذي يصنعه ، فقال له : يا هذا ، إني أعمل وأنفق على أهلي ، ولما توفي جارٌ لي وله زوجة وذرية ، صرت أقسم راتبي الشهري بين بيتي وبيت جاري ، قال صاحب الرؤيا : هذه التي بلغت بك ، اعلم أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي وإنه يبشرك بالجنة .
واحفظ ذمام صديقٍ كنتَ تألفُه *** وذمةَ الجارِ صنها عن يد الغِيَرِ
وصِل أخا رحمٍ تكسبْ مودتَه *** وفي الخطوبِ تراه خيرَ منتصرِ
ووصلُه قد يجرُّ الوصلَ في عقِبٍ *** وقد يزادُ به في مدةِ العُمُرِ
وجد على سائلٍ وافى بذلته *** ولو بشيءٍ قليلِ النفع محتقرِ
|
|
|