05-10-2003, 10:33 AM
|
#1
|
عضـو دائم ( لديه حصانه )
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1344
|
تاريخ التسجيل : 03 2002
|
أخر زيارة : 16-08-2022 (03:23 AM)
|
المشاركات :
658 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
مالك بن نبي تجاوز ابن خلدون
نوره السعد:مالك بن نبي تجاوز ابن خلدون
حوار: عبدالحي شاهين
الجزء الأول :
تظل أطروحات المفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي -والتي بدأ في بلورتها منذ أواسط الثلاثينات من القرن الماضي- مواداً أولية لكثير من المفكرين الإسلاميين المعاصرين، ورغم أن أغلب أفكاره ورؤاه حول مسائل الحضارة والتغيير الاجتماعي قد تم تناولها من قبل الباحثين؛ إلا أن الكثير من أفكاره لا تزال في حاجة إلى البحث والتقصي الجاد.
ومالك بن نبي يعتبر من تلك الفئة من المفكرين الأفذاذ الذين شكلت كتاباتهم علامات بارزة في مسيرة النخب الثقافية الإسلامية الآن، فعلى امتداد دول المغرب العربي والبحر الأبيض والقرن الإفريقي والخليج وشمال أفريقيا تجد تأثير مالك بن نبي بارزاً لا يحتاج إلى كثير جهد لملاحظته.
وفي هذا الحوار الذي يجريه موقع (الإسلام اليوم) مع الدكتورة نوره السعد -أستاذة علم الاجتماع بجامعة الملك عبد العزيز بجدة- نحاول أن نستكشف ونستقرئ بعض إسهامات مالك بن نبي وتوصيفه لمشكلات الحضارة وطرق التغيير الاجتماعي وغيرها من الظواهر والأفكار التي اشتغل عليها مالك بن نبي.
وعلاقة الدكتورة نوره السعد (وهي من الباحثات السعوديات اللائي قدمن إسهامات ثمينة في حقل الفكر الاجتماعي الإسلامي) بأطروحات وأفكار مالك بن نبي علاقة قديمة، استرعتها في أولى سنيّ دراستها الجامعية في كلية علم الاجتماع، وتواصلت تلك المسيرة حتى نالت درجة الدكتوراه في أطروحة " التغيير الاجتماعي عند مالك بن نبي", وهي تؤكد باستمرار أن مشروع مالك بن نبي الفكري يستحق أكثر من دراسة وحلقة نقاش.
س : في دراستكم الأخيرة قدمتم قراءة لفكر مالك بن نبي الاجتماعي ، ما الجديد الذي أتت به هذه الدراسة , وبماذا تتميز عن الكتابات الأخرى التي تناولت فكر مالك بن نبي ؟
ج : معظم من درس أفكار مالك بن نبي يرحمه الله ركز على تحليل آرائه من المنظور الفلسفي الحضاري، وكانت دراستي تختلف في أني قمت بتحليل آرائه حول التغيير الاجتماعي على وجه الخصوص تحليلاً اجتماعياً مستخدمة أدوات علم الاجتماع ومنهجيته لاستخلاص نظرية الأستاذ مالك بن نبي يرحمه الله في التغيير الاجتماعي، وتوضيح منهجه العلمي في استقرائه التاريخي للقضايا الاجتماعية التي درسها وفسرها انطلاقاً من الجزئيات وهم (الأفراد) إلى الكليات (الحضارة)، بل واستخدامه لمفاهيم التحليل النفسي والتحليل التاريخي للظواهر الاجتماعية بصفتها أدوات معرفية يستعين بها من أجل البحث عن الانتظام الذي يحكم الظواهر الاجتماعية والتاريخية، واحتوت الدراسة توضيحاً كاملاً لمعالم هذه النظرية لدى هذا المفكر، وأنها -أي آراءه- ترقى إلى مستوى النظرية في علم الاجتماع، وخصوصاً ما عرف منها بما يسمى بـ"الاتجاهات الاجتماعية العامة"، وأنها لا تختلف عن سائر النظريات الدورية للتغيير الاجتماعي من حيث تصورها للظاهرة الاجتماعية، وهي ظاهرة التغيير وكيفية تناولها وتحديد مسارات تغيرها. كما أن تميز هذه النظرية لدى مالك تتضح في عدد من معالمها، سواء فيما يخص إطارها المفاهيمي والمصطلحات الجديدة التي أضافها لعلم الاجتماع مثل: (الفعالية الاجتماعية البناءة، التكديس، القابلية للاستعمار، الأفكار القاتلة، والأفكار الميتة) وجميعها مفاهيم ذات دلالات وظيفية اجتماعية، وليست فقط فلسفية، أو ما يخص محورية الدين في بنائها ودخوله في الجدلية النفسية الاجتماعية بين الفرد والمجتمع في الدورة الحضارية، وأن الدين هو منشئ الحضارة.
كما أن هذه النظرية لدى مالك تصور الواقع الاجتماعي على أنه قابل للتغيير وللتطور، وتؤكد على الدور الوظيفي للإنسان وتدعوه للتغيير الذاتي، وإلى تغيير واقعه الاجتماعي المتخلف، وتقدم مشروع تغيير متكامل للعودة بالمجتمعات إلى دورة الحضارة.
س : من خلال متابعتكم لكتابات المفكرين ونتاجهم؛ هل أحدثت كتابات مالك بن نبي أي تغيير في حركة الأفكار في العالم الإسلامي المعاصر؟
ج : كتابات المفكر مالك بن نبي كالبحر العميق إذا لم يتم الإبحار إلى مكامنها واستقرائها (بشكل جيد)؛ فإن التأثر بها يظل لا يرقى بعمقها، ورغم هذا نجد أن هناك عدداً من المفكرين والكتاب في العالم العربي من تأثروا بكتابات مالك بن نبي، أو أسهموا في تحليلها خصوصاً من كان منهم على علاقه بالأستاذ مالك بن نبي مثل: الدكتور عبد السلام هراس، والدكتور الطالبي، وأيضاً الدكتور عبد الصبور شاهين الذي ترجم بعض مؤلفاته، ونجد أيضاً تأثراً بآرائه لدى بعض الكتاب والمثقفين مثل: الدكتور سيد الدسوقي حسن، والدكتور محمود محمد سفر، والدكتور أسعد الحمراني، والأستاذ محمد العبدة، والاستاذ جودت سعيد، والدكتور ماجد عرسان الكيلاني، حيث نجده في مؤلفه "الأمة المسلمة" قد قام بتطبيق مفاهيم نظرية مالك في الثقافة والتربية، وربما هناك آخرون لا تحضرني أسماؤهم حالياً، ولكن في مجمل القول: إن كتابات مالك لم تحدث التغيير ( الذي تستحقه).
وإن كانت تعتبر ركيزة عند العديد من المفكرين يمكن استقرائها من نمط تحليلاتهم واستخدامهم لمفردات ومفاهيم مالك بن نبي حتى في حالة عدم الإشارة إليها!.
س : ماذا عن أساسيات التغيير الاجتماعي عند مالك بن نبي وأشكاله؟
ج : أساس التغيير الاجتماعي عند مالك بن نبي هو الدين، وكان يرى أن الحضارات بصفتها هدفاً لأي تعبير اجتماعي تعقد على (الدين) بوصفه عاملاً أساسياً في تركيبها وإقامتها، وكان يخطئ المذاهب المادية التي تجعل الدين عارضاً في تاريخ الثقافة الإنسانية، وحدد مالك العلاقة بين الدين وظاهر المجتمع، ووضح أن هذه العلاقة تتحدد بفرضية وتفسيرات؛ فالفرضية هي ( الفكرة الدينية) والتفسيرات هي الإلمام بظاهرة التغيير الاجتماعي والوصول إلى الحضارة في مجتمع من المجتمعات في مرحلة من مراحل التاريخ البشري، وقد استمد مالك أمثلته من استقراء الوقائع التاريخية الماضية للعالم الإسلامي وحضارته وللحضارات السابقة أيضاً.
ووضح في نظريته عن التغيير الاجتماعي أساس هذا التغيير ومجالاته، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع، وأكد على أن الوظيفة الأساس للدين بمفهومه العام في إحداث كافة التغييرات الاجتماعية التحويلية الهامة في (الإنسان، والزمن، والتراب) وما يتبعها من معطيات نفسية اجتماعية تحدث من خلالها التغييرات لتحقيق الغاية النهائية لحركة المجتمع، حيث يتحقق في النهاية في شكل (حضارة).
س : هل تعتقدون أن المجتمع المعاصر في حاجة الآن لهذه الأفكار؟ وهل يمكن تطبيقها؟.
ج : القارئ لكتابات مالك بن نبي ونظريته في التغيير الاجتماعي سيجد أن مالك يؤكد على دور الدين في هذا التغيير وأن ما حدث لسقوط المجتمعات وتدهورها في مسيرة الدورة الحضارية كان نتيجة لغياب الوظيفة الاجتماعية للدين. إذ إن البناء الاجتماعي في أي مجتمع لا يقوى على البقاء بمقومات الفن والعلم والعقل فحسب؛ بل (بالروح)، فالعلاقة الروحية بين المعبود والإنسان هي التي توجد العلاقة الاجتماعية؛ فالدين حين يخلق الشبكة الروحية التي تربط نفس المجتمع بالإيمان بالمعبود؛ فإنه في الوقت نفسه يخلق شبكة العلاقات الاجتماعية التي تقوم بدورها بتهيئة المجتمع للقيام بدوره التاريخي، ويحقق نشاط أفراده من خلال (العمل المشترك)، وبهذا نجد أن الدين يربط أهداف السماء بضرورات الأرض؛ فالجانب الغيبي للدين هو الذي يوفر (المبررات) ويوجد (الإرادة الجماعية) ولا بد هنا من تلازم القيم الأخلاقية بالناحية الاجتماعية في إطار هذا النشاط المشترك للأفراد، ذلك أن أي خلل في علاقة القيم الأخلاقية بالجانب الاجتماعي سيؤدي إلى الانهيار والتدهور.
ولمزيد من التوضيح لدور الدين في إحداث التغيير الاجتماعي كما يراه مالك بن نبي؛ نجده يؤكد على أن (الفكرة الدينية) هي المحرك الأساس للمجتمع، وآلية إحداثها للتغيير تتم من خلال تكوين وإنشاء العلاقات الاجتماعية التي تربط بين (عالم الأشخاص، وعالم الأفكار، وعالم الأشياء)، فالفكرة الدينية هنا هي (المركب) Ca yst أو العامل الرئيس لتفاعل هذه العناصر؛ لتصبح وحدة واحدة، تقوم بإحداث التغيير، أي أن الفكرة الدينية توجد الرابطة التي تجعل عالم الأشخاص يتحرك وفق المحددات التي رسمها عالم الأفكار بوسائل من عالم الأشياء، والعالم الأول هم الأفراد المادة الأولية للنشاط الاجتماعي، ولكن ليسوا هم الأفراد العاديين، ولكنهم الأشخاص المشجونون بيقين العقيدة والصالحون للقيام بهذا الدور التغييري، والمستعدون له بعد أن تم تعديل معادلتهم الاجتماعية؛ ليكونوا في مستوى من الفعالية الاجتماعية يؤهلهم للتغير. والعالم الثاني يقصد به (مالك) الطاقة المحركة للعالم؛ والمحددة لوجتهه التاريخية، والعالم الثالث يقصد به مجموع الوسائل والإمكانات التي يمكن أن يستخدمها العالم الأول أثناء حركته الاجتماعية وسيره التاريخي.
وهكذا نجد أن إحداث التغيير الاجتماعي يتطلب توفير شروط معينة تمس (الإنسان، والتراب، والزمن، والمجتمع، وثقافة هذا المجتمع)، وهي نطاق (التغيير الاجتماعي) الذي هو في موقع إمكانية الحدوث طالما كان هناك إمكانية إعادة تطبيق المبدأ القرآني في النفس الإنسانية في أي مرحلة نرغب أن يحدث فيها هذا التغيير الإرادي؛ لأن قوة التركيب التي تؤلف بين العوامل الثلاث ( الإنسان، والزمن، والتراب) لتحدث (الحضارة) الغاية النهائية لهذا التغيير، هذه القوة خالدة في جوهر الدين، وليست ميزة خاصة بوقت ظهوره فقط؛ فجوهر الدين مؤثر صالح في كل زمان ومكان.
------
يليه الجزء الثاني
|
|
|