كيف تطرد الخوف من الموت والمرض ؟
د محمد أبو رحيّم
المــقدمـــة : -
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد ..
فإن الخوف غريزة كامنة في النفس الإنسانية ، تنمو لظروف ملائمة ، وتخبو بتلقي العلاج المناسب في الوقت المناسب .
والشك والخيال ظرفان ملائمان لنموه ، والمفاجأة من أخطر أسباب الإثارة له ، وإطفاء هذه المحرضات متعلق بمعرفة العلاج .
ذلك أن الخوف ليس أمرا معيبا أو غير طبيعي ، بل العيب في تبجح الإنسان بأنه لا يخاف أبداً . فليس الشجاع ذلك الجسور الذي يدعي عدم الخوف ، بل ذلك الذي يعمل كأنه غير خائف ، لأن كثيرين من أولئك الذين يعانون من مخاوف حقيقية متصورة أو خيالية غير متصورة تظهر عليهم أعراض هذه الخاوف لأسباب متعددة يتفاوت فيها الناس تبعا للعوامل البيئية والجسمية والنفسية ، لذلك كان حسن التوجيه جزءا مهما في التخفيف من وطأة هذه المخاوف .
تناولت في هذه الدراسة مخوفين محددين وحقيقيين ، الخوف من الموت ، والخوف من المرض ، اجتهدت في تشخيصهما ووضع العلاج المناسب لهما ، من خلال تصور الإسلام لهما وقد اعتمدت القرآن والسنة واستأنست بوصايا علماء النفس ممن أثبتت وسائلهم فاعليتها في التخفيف من أثر هذين المخوفين ، وعدم تعارضها مع الكتاب والسنة المطهرة .
وقد توصلت إلى نتيجة مهمة وهي عدم تعارض الإسلام مع اجتهادات كثير من علماء النفس في تشخيص المرض وعلاجه ، جاءت الدراسة في سبعة مباحث :
كان الأول : التعريف بالخوف لغة واصطلاحا .
والثاني : غريزة الخوف .
والثالث : أسباب الخوف .
والرابع : بيان لدرجات الخوف وأعراضه .
والخامس : موازنة بين الخوف من الله الخوف من المخاوف المخلوقة .
والسادس : الخوف من الموت ؛ أسبابه وطرق علاجه .
والسابع : الخوف من المرض ؛ أسبابه وطرق علاجه .
نأمل أن يكون هذا البحث سببا في إرساء الطمأنينة في النفس الإنسانية ، والله أسأل أن يجعل عملي خالصاً صواباً وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين .
التعريف بالخوف :
الخوف لغة :- الفزع خافه يخافه خوفا وخيفة ومخافة ، وخوَّف الرجل إذا جعل فيه الخوف وخوفته : إذا جعلته بحالة يخافه الناس . وقيل : خوَّف الرجل : جعل الناس يخافون منه ، وفي التنزيل (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه) .
أي : يجعلكم تخافون أولياءه .
والخيفة : الخوف ، في التنزيل : ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ) .
والجمع : خيف ، ويطلق الخوف ويراد به القتل والقتال وبه فسّر اللحياني قوله تعالى : ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ) وقوله تعالى : ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ) أي القتل .
ويراد به أيضا العلم وبه فسّر اللحياني قوله تعالى : ( فمن خاف من موص جنفا أو إثماًَ ) .
والتخوف : التنقص . وفي التنزيل : ( أو يأخذهم على تخوف ) .
الخوف اصطلاحا
انقسم العلماء في تعريفهم للخوف اصطلاحا أقساما :
أ - فمنهم من عرَّفه بأنه : -
غريزة قائمة في النفس الأنسانية فقالوا : الخوف : غريزة ، بل قوة طبيعية فطرت عليها نفوس البشر والحيوانات على السواء . وعليه فإن الخوف واقع فطري موروث قائم في التكوين النفسي للكائنات الحية .
ب- ومنهم من عرفه من جهة أسبابه : قال ابن القيم : ( وقيل : الخوف قوة العلم بمجاري الأحكام وهذا سبب الخوف لا أنه نفسه ) .
ج - ومنهم من عرَّفه من جهة أسبابه وآثاره : -
قال الإمام الغزالي : - ( الخوف عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع المكروه في الإستقبال ) فالتألم أثر الخوف وتوقع المكروه سبب .
وقال ابن القيم : (وقيل : الخوف اضراب القلب وحركته من تذكر المخوف ) . فالإضطراب أثر ، وتذكر المخوف سبب .
وقيل : ( الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استعاره)
فالهرب أثر ، واستعار المكروه سبب .
وجاء في دائرة المعارف السيكلوجية : الخوف ( قلق مرتبط بشئ ، أو فكرة أو هو نتاج ذهني متأت من ظروف محددة في القسم الأول من الحياة ) .
فالقلق والنتاج الذهني أثران . والشيء والفكرة والظروف المحددة التي يمر بها الإنسان في القسم الأول من حياته أسباب تؤدي إلى الخوف .
د- ومنهم من عرَّفه من جهة آثاره : فصوره بعضهم على أنه مرتبط بالإدراك ( العقل) والجسد ، وصوَّره بعضهم على أنه مرتبط بالمحافظة على البقاء .
ولا اختلاف بينهما من حيث المضمون . لأن المحافظة على البقاء من الثوابت النفسية للكائن الحي ، وأي سبب يؤثر على هذه الثوابت يٌتصّور على هيئة انفعال من خلال مروره على جهاز الإدراك .
جاء في كتاب مخاوف الأطفال الخوف : ( انفعال أساسي مرتبط ارتباطا وثيقا بالمحافظة على البقاء ) .
وحاء في كتاب علم النفس العسكري : ( الخوف انفعال على صلة وثيقة بالعقل وبخاصة الإدراك ... والجسد ) .
وجاء في كتاب مشكلات الطفل النفسية الخوف : ( انفعال شائع بين الأطفال ويأخذ أشكالا متعددة ) .
بينما نرى صاحب موسوعة علم النفس قد أخرج الخوف من دائرة الإرتباط بالعقل فقال : الخوف : ( هو قلق عصبي أو عصَّاب نفسي لا يخضع للعقل ، ويساور المرء بصورة جامحة كونه رهبة في النفس شاذة عن المألوف تصعب السيطرة عليها أو التحكم بها ) .
والحق أن الخوف الذي تكون نتائجه بالصورة الجامحة التي ذكرها صاحب الموسوعة هو بالفعل خوف مرتبط بالعقل والإدراك ، ولولا ذلك لما وصل الخائف إلى تلك الدرجة غير العادية في خوفه ، وهذا ما رجحه أهل العلم .
قال الإمام الغزالي : ( حال الخوف يٌنتظم أيضا من علم ، وحال ، وعمل . أما العلم فهو العلم بالسبب المفضي إلى المكروه ، وذلك كمن جنى على مَلِكٍ ثم وقع في يده فيخاف القتل مثلا ، ويجوز العفو والإفلات ، ولكن يكون تألم قلبه بالخوف بحسب قوة علمه بالأسباب المفضية إلى قتله ، وهو تفاحش جنايته ، كون الملك في نفسه حقوداَّ غضوباَّ منتقماَّ وكونه محفوفاً بمن يحثه على الإنتقام ، خالياً عمَّن يَتشفع إليه في حقه ، وكان هذا الخائف عاطلاً عن كل وسيلة وحسنة تمحو أثر جنايته عند الملك .
فالعلم بتظاهر هذه الأسباب سبب لقوة الخوف وشدة تألم القلب ، وبحسب ضعف هذه الأسباب يضعف الخوف .
وهل يكون العلم بالسبب المفضي إلى المكروه من غير ادراك العقل ؟!! .
التعريف المقترح :
لم يكن الهدف من سردنا لتلك التعريفات سوى الوقوف على حدود الخوف ، ولعل نظرة إلى مجملها ندرك أن لها مدلولات واضحة في بيان الخوف من حيث هو ومن حيث آثاره وأسبابه ، وخروجا من التعددية نقول :
الخوف : غريزة مرتبطة بالعقل تظهر في أعراض متعددة لأسباب متعددة .
غريزة الخوف
الخوف أمر عارض مكتسب : -
يرى أحد الباحثين في دائرة المعارف السيكولوجية أن الخوف نتاج مُتئًأتِّ من ظروف محدودة في القسم الأول من الحياة، فإذا لم تتوفر هذه الظروف فإن الخوف لايحدث ، وسلك في دراسته مسلك البحث عن العوامل المهيئة للخوف وذلك بإعادة الخوف وتراكمه الذهني لحالات يتعرض لها الطفل إلى العنف أثناء الولادة وبعدها مباشرة .
ثم قام بتفسيرات لحالات الخوف من الأماكن المغلقة وكمَّامَات الغاز، وعزا ذلك إلى اختناق نصفي ناتج عن الغطاء بعد الولادة مباشرة ، أو ولادة هؤلاء الأطفال في حالة الأرزقاق على أثر الخناق الناتج عن حبل السرّة .
وخرج بنتيجة مفادها ، أنه في حالة عدم وجود هذه العوامل فإن الرضيع يبدأ حياته دون خوف .
هذه الدراسة التي قدمها الباحث من خلال تجاربه الشخصية تقضي بأن الخوف أمر عارض مكتسب .
الخوف أمر فطري : -
إن النتيجة التي وصل إليها ذلك الباحث بعيدة عن الصواب، بل إن الخوف أمر فطري ولو لم يكن كذلك لما تحركت في الطفل مشاعر الخوف أثناء طفولته، فالطفل الذي يصادف ضيقاً جسميا يسلك مسلكا يعبِّر فيه عن عدم الإرتياح كالصراخ وتحريك اليدين والرجلين ، وكذلك الحال لو تعرَّض إلى سماع شيء غير عادي فإنه ينتفض ويصرخ وكأنه يقول : إني خائف فاحمني مما أخاف.
ومع كون الخوف غريزة كامنة في الطينة الإنسانية فإن للخبرات التي يتعرض لها الإنسان منذ طفولته دوراً في كسب المعرفة بالأسباب التي تثير هذه الغريزة وتوقظها في أعماق التكوين النفسي للأنسان.
تنبه علماء الإسلام إلى ذلك فقرَّروا ميل الإنسان بالطبع إلى الخوف استنباطاً من قوله تعالى : (إن الإنسان خلق هلوعا).
ومن قوله عليه الصلاة والسلام: (شر ما أعطية ابن آدم شح هالع ، وجبن خالع ) .
قال أهل السُّنة : (الحالة النفسانية التي هي مصدر الأفعال الاختيارية كالجزع والمنع أيضاً من خلقه ولا اعتراض لأحد عليه ).
فالخوف فطرة في النفس ولا يخلو منه إنسان في أي وقت من الأوقات ، بل هو قوة طبيعية لازمة للمحافظة على بقاء النوع الإنساني .
فإذا كان الخوف من الطبائع التي فُطِرَ عليها الإنسان فهو موروث من جانب ، ولا أمل في اقتلاعه من جانب آخر، وإنما يراعي فيه حسن التوجيه ، ولهذا كان للبيت والمجتمع والخبرات الفردية المكتسبة أثرها في التخفيف من عبء هذه الفطرة أو زيادتها ، مما يجعلنا نجزم بأن الخوف ( عملية نسبية ) يتفاوت الناس فيها تبعا للعوامل البيئية والجسمية والنفسية التي يمر بها هذا الكائن الحي.
إن الخوف ليس عاطفة معيبة أو غير طبيعية ، بل العيب في تبجح الإنسان بأنه لا يخاف أبداً ، فليس الشجاع ذلك الجسور الذي لا يخاف ، بل الذي يعمل كأنه غير خائف .
فالأصل في الإنسان أنه خائف بالطبع ، والطمأنينة هي الحالة المستحدثة تخفيفاً من ضغوط الخوف عليه .
قال تعالى ممتناً على عباده : (الذي أطمعهم من جوع وآمنهم من خوف) .
وكان من دعائه - صلى الله عليه وسلم - : (اللهم إني أعوذ بك من الجبن) .
أسباب الخوف :-
مع أن الخوف فطري موروث إلا أن أثر الإستثارة للخوف يختلف من بنية جسمية لأخرى .
فالأجسام غير السَّوية أكثر عُرضَةً لتنشيط المخاوف الموروثة والمكتسبة حيث تُولَد مرزودة بأجهزة عصبية مرهفة تجعلهم في حال من الخوف الدائم أو تجعلهم على استعداد لأن يضطربوا لأتفه الأسباب .
ولقد تحدث بعض الباحثين عن تجاربه لتحديد الظروف المهيئة للخوف عند الإنسان حيث عزا بعضها إلى حالات تنتاب الأم أثناء حملها ، وعزا بعضهم ذلك إلى الحالات التي يتعرض لها الطفل أثناء الحمل به وبعد الولادة مباشرة .
ومهما يكم من أمر فإنه من المتفق عليه أن اكتساب الإنسان للأسباب التي تثير الخوف أثر في تهيئة الطفل للخوف والتي تبدأ منذ طفولته ، كما أن لاستمرارية حدوث هذه الأسباب أثرٌ في ثبات الخوف في النفس الإنسانية .
فالخوف يستثار بسبب وجود خطر خارجي يدركه الفرد ، ذلك أن التوقع متعلق بالاستبقال وهو تعلق . بمجهول ؛ يوقع الإنسان فريسة للخيال والشك ، وهما ظرفان ملائمان لنمو الخوف ، لذلك كانت المفاجأة من أخطر الأسباب الإثارة للخوف الكامن . قال تعالى واصفاً حال موسى عليه السلام عندما قُلبت عصاه أفعى عظيمة ( فلمَّا رآها تهتزُّ كأنَّها جانٌ ولّى مُدبِراً ولم يُعَقِب ) .
وقال تعالى واصفاً الشيطان في معركة بدر عندما رأى الملائكة تَنزلُ لِنصرة المؤمنين : ( فلمَّا تراءَت الفِئتان نَكَصَ على عَقِبيه وقال إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ) .
إ ن العمليات التي يمارسها الخيال سبب من أسباب الخيانة والفزع في المعارك الحربية لهذا كان الخيال هو الذي يخسر المعارك .
درجات الخوف وأعراضه :-
درجات الخوف :-
ليس لدينا ميزان خاص لقياس درجة الخوف كقياس درجة الحرارة في الجسم ، بيد أن بعض علماء النفس قد جعلوا الخوف على درجتين : -درجة عادية ، ودرجة غير عادية وغير طبيعية ، وأدرجوا تحت كل درجة معايير خاصة تميزها عن غيرها .
وهو في حال كونه عادياً لا يخرج عن مساره الطبيعي ، ويتأَتَّى بسبب بعض المواقف والمثيرات التي تهدد حياة الإنسان وكيانه مما يدفعه إلى تجنب مصادر الخوف والضرر ، وهذا الخوف طبيعي وضروري لحماية الفرد ودفعه نحو العمل والسلوك النافع .
وفي حالة كونه غير عادي فهو مرض يدفع صاحبه نحو اليأس والقنوط ، ويحصل ذلك بسبب وقع المثير وبصورة شديدة ومتطرفة ، بحيث يصبح الخوف من الخوف عقدةً نفسيةً تحتاج إلى تقصي أسبابها وفحصها وعلاجها واتباع السُّبل المناسبة لوقاية الفرد منها.
فالخوف ليس أمراً معيباً لكونه غريزة فطرية ، وإذا استطاع الخائف كتم خوفه بين جنباته ، فإن أثر الخوف لابد من الظهور ، إما على صور مظاهر مرئية ترتسم على الجسد وإما بتجلجله في الصدر على صورة انفعالات غير مرئية .
وقد توصل علماء النفس والطب إلى أن انعكاسات الخوف تعتري الجهاز العصبي للمخ ، والمخ العضوي المُشَكَّل من مجموعة المراكز النفسية المحركة ، منابع التقليد والتخييل والانفعالات ، والمخ النفسي - جهاز التوازن ومركز الذكاء والإرادة - .
ويرى ( فرويد ) أن الخوف أو القلق أساس جميع الحالات العصبية .
ولهذا دخل الخوف في أغلب أنواع الاضطرابات الانفعالية والعصبية والانحرافات السلوكية والاجتماعية .
أعراض الخوف :-
يظهر الخوف على ملامح الوجه كاتساع حدقة العين أو التعرق أو وقوف الشعر أو العض على اللسان أو اصطكاك الأسنان…
كما يؤثر قي لون البشرة فيجعلها شاحبة مصفرة بعد الاحمرار وقد يتحول الاصفرار إلى ازرقاق .
ويظهر الخوف في صورة الإجهاد والضعف والارتجاف غير الإرادي أو التبول أحيانا…
وفي حالة النوم يتكور الجسم ، ويعجز الجسم عن السيطرة على أجهزة النطق فيخرس أحيانا…
ويشعر الخائف بالجفاف في حلقه فتتداخل الكلمات ، ويجيش أحيانا بالبكاء…
وأما عن التغيرات الجسمية الداخلية فتتمثل في تسارع دقات القلب، والارتفاع في ضغط الدم ، وسرعة في التنفس وصعوبته .
وعن الحالة العقلية والوجدانية والإرادية فيصاب الخائف بالضعف في الإدراك والتذكر والتفكير والتردد في اتخاذ القرارات ، فضلا عن عدم الشعور بمن حوله أحيانا ، بل يفقد الثقة بالآخرين ، ويستأسد على من هو أضعف منه…
ولا شك أن هناك وسائل تعبيرية شعورية إرادية يلجأ إليها الخائف كالتعبير باللسان أو القلم أو الهرب أو محاولة الخائف إقناع الطرف الآخر بالحل الوسط استعطافه أو اللجوء إلى التهديد باستخدام السلاح .
وهناك أيضا وسائل تعبيرية لا شعورية كاللجوء إلى الرسم والنحت والأدب والشعر والتمثيل أو الرغبة في الانتماء للجماعة.
أثر الخوف كما صوره القرآن الكريم :-
قال تعالى واصفا أثر الخوف على الشخصية الإنسانية:
{ إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا . وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا . وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا } .
وقال تعالى:
{ فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم } .
وقال تعالى:
{ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك بالحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون } .
وقال تعالى:
{ إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماءً ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام } .
فإذا أردت معرفة الخائف ؛ دقق النظر في ملامح الوجه ولون البشرة وحركات الجسم وأطرافه.تحسس نبرات الصوت ودقات القلب وحركة التنفس .
افحص الإدراك والتذكر والأفكار إن كانت رتيبة أم لا .
تحسس الوجدانيات ثم الإرادة فإن أمسكت بواحدة من تلك وقد خرجت عن المألوف فستجد أن الذي أمامك قد اعتراه الخوف بالفعل!!
موازنة مهمة بين الخوف من الله والخوف من المخاوف المخلوقة : -
إذا كان الإنسان يخاف من المخاوف المخلوقة لاشتراكها دائما مع فكرة الموت ، ومن طبع الإنسان حب البقاء ، فإنه يجب تقديم مخافة الله - خالق المخلوقات - على غيره .
قال تعالى: { فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين } وذلك للأسباب التالية :-
أ- إن الخوف من المخلوق نهايته واحدة وهي الموت ، هو لا يعني الفناء ،بل هو انتقال من صورة حياتية مميزة إلى أخرى ذات خصائص ومقومات خاصة.
قال تعالى : { فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت } .
قال تعالى : { وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا . قل كونوا حجارة أو حديدا . أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة } .
ب- إن سيطرة المخاوف المخلوقة لا تعدوا المرحلة الأولى من الحياة وهي : الحياة الدنيا ،فإذا ما مات الإنسان انتهت عنه هذه المخاوف ولم يعد لها أي تأثير على الاحساسات المادية والمعنوية.
ج- إن المخاوف المخلوقة تدفع إلى الهرب منها ،أما الخوف من الله فإنه يدفع إلى الهرب إلى الرب ، قال تعالى : ( ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ) .
د- إن خوف الإنسان من الله يرجع إلى الخوف من عذابه ، قال تعالى : { ويرجون رحمته ويخافون عذابه } وعذابه مخوف لما يلي :
1- لأنه لا نظير له ولا مثيل ، فهو متفرد من جميع الوجود قال تعالى :{ فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد } .
2- يتصف بالديمومة وعدم الانقطاع قال تعالى : {والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ، ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور } .
وقال تعالى : {وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون } .
إن هذه الموازنة التي أجريناها بين الخوف من الله والمخاوف المخلوقة هي التِرياق الفعال للتخفيف من الخوف ، ومن مستلزمات بقاء الإنسان بعيدا عن المخاوف المخلوقة : دوام ذكر الله تعالى والتزام حدوده والقيام بفرائضه قال تعالى { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } .
وقال تعالى : {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } .
وقال تعالى : {إن الإنسان خلق هلوعا . إذا مسه الشر جزوعا . وإذا مسه الخير منوعا . إلا المصلين . الذين هم على صلاتهم دائمون . والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم . والذين يصدقون بيوم الدين . والذين هم من عذاب ربهم مشفقون . إن عذاب ربهم غير مأمون . والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين . فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون . والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون . والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون . أولئك في جنات مكرمون } .