عرض مشاركة واحدة
قديم 23-11-2012, 12:13 AM   #2
أمل الروح
المدير العام للموقع
روح نفساني


الصورة الرمزية أمل الروح
أمل الروح متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 34210
 تاريخ التسجيل :  05 2011
 أخر زيارة : اليوم (01:32 AM)
 المشاركات : 23,535 [ + ]
 التقييم :  325
لوني المفضل : Darkcyan


تابع ...


وهذه المريضة حين تزور الطبيب فإنها تظل تتحدث طول الوقت عن الأعراض الجسمانية التي تشعر بها، وإذا حاول الطبيب أن يجذب انتباهها إلى أي موضوع آخر فإن المريضة سرعان ما تعود بسرعة إلى الحديث عن الأعراض، ولا تمل ذلك مهما تكررت زيارتها للطبيب، وكثيراً ما تغير نفس الشكوى التي ذكرتها عشرات المرات قبل ذلك، وكأنها تريد أن تتأكد أن شكواها قد وصلت إلى الطبيب، أو أنها غير واثقة من أن الطبيب قد فهم طبيعة مرضها، أو أنها تشعر بأشياء لا تجد لها كلمات مناسبة للتعبير عنها فتعيد المحاولة مرة تلو المرة لعلها تصفها بدقة أكثر فيفهمها الطبيب أو تشعر بما يشعر به بالضبط.

والسيدات اللائي تنتابهن هجمات الهلع ليست لديهن القدرة على التحدث عن مشاكلهن النفسية، فهن لا يستطعن التعبير عن معاناتهن النفسية، فهن لا يستطعن التعبير عن معاناتهن النفسية في كلمات واضحة، لذلك إذا جلست تستمع إلى إحداهن فإنها تدور في حلقة متصلة من الحديث عن الأعراض الجسمانية مثل ضربات القلب وبرودة الأطراف وصعوبة التنفس، والهواء البارد الذي يلفح رأسها..... إلخ، ولكنها تجد صعوبة في التعبير عن معاناتها النفسية أو مشاكلها أو مشاعرها.

وإذا وصف الطبيب نوعاً من الأقراص أو الحقن لتأخذها المريضة وقت حدوث نوبة الهلع فإنه من الملحوظ أن المريضة لا تأخذ هذه الأشياء رغم معاناتها الشديدة ورعبها البالغ أثناء النوبة، ولو سألت المريضة: لماذا لم تاخذي الأقراص أو الحقن التي وصفتها لك عند حدوث النوبة؟... فإنها تقول: لقد نسيتها... !!! أو تقول: لم أستطع أخذها لأنني كنت منهارة تماماً..!!!.. أو تقول: إنني طننت أن هذه حالة جديدة لأن الأعراض في هذه المرة مختلفة، فقد كانت تاتينى قبل ذلك في صورة خفقان في القلب واختناق في الصدر، أما في هذه المرة فقد جاءت في صورة برودة شديدة في أطرافي وفى رأسي مع فقد التوازن وكأنني لا أستطيع الوقوف أو المشي.

والمريضة أثناء النوبة تكون في حالة كرب شديد وأحياناً تخرج إلى الشارع بملابس البيت لتستغيث بالناس أو تهرع إلى أقرب عيادة أو مستشفى، ويبدو أنها تفضل أن تفعل ذلك على أن تأخذ العلاج الموصوف لها "عند اللزوم" ، وربما يكون لذلك دلالات مهمة نذكر منها:


1- أن المريضة تريد "طمأنة إنسانية"(من لحم ودم)، بمعنى أنها تريد أن يكون الناس من حولها يساندونها ويطمئنونها.... ولا تريد (طمأنة كيميائية) في صورة قرص أو حقنة لتؤدى الغرض المطلوب لها.

2- أو أن المريضة تفقد القدرة على التفكير والتصرف أثناء النوبة، وقد عبرت إحدى المريضات عن ذلك بقولها: "إننى أكون أشبه بعمارة سقطت فجأة".

3- أو أن هذه الحالة تحقق شيئاً للمريضة فهي ترغب في وجودها(على الرغم من رعبها منها)، ولا تريد أن تنهيها بالدواء بسرعة. والحالة هنا تكون بمثابة صرخة استغاثة من المريضة توجهها لمن حولها من الناس لعلهم يشعرون بها ويطمئنونها، لذلك فتناول الدواء يكون أشبه بكاتم صوت يمنع المريضة من طلب المساعدة ومن "صرخة الاستغاثة".

4- أو أن المريضة تريد أن تكون في أحضان مستشفى أو عيادة أو "إنسان" أثناء الحالة لأن ذلك يشكل بالنسبة لها أمان أكثر.

5- أو أن المريضة تريد أن تجبر أقاربها أو المحيطين بها على حملها إلى المستشفى لكي يقتنعوا بأنها مريضة فعلاً وأنها لا تتوهم أو تتصنع المرض. وغالباً ما يتأخر علاج المريضة، لأنها لا تذهب إلى الطبيب النفسي إلا بعد مرور عدة سنوات على مرضها حيث أنها تعتقد في البداية أنها مصابة بمرض في القلب أو الصدر فتذهب لأطباء القلب أو الصدر، ولذلك كانت تسمى هذه الحالة قديماً "عصاب القلب"(Cardiac Neurosis). وعلى الرغم من تأكيد الأطباء للمريضة بأنها سليمة عضوياً إلا أنها تنتقل من طبيب لآخر ظناً منها أن الطبيب الأول لم يصل إلى التشخيص المناسب والدقيق، وتدخل في دوامة هائلة من الفحوصات المعملية والأشعات ورسومات القلب.

والمريضة من هذا النوع تشعر بإحباط شديد حين يؤكد لها طبيب القلب(أو الصدر) أنها "سليمة" وتشعر بإحباط أكثر حين "يتهمها" من حولها بأنها "سليمة تماماً"، وهى كما تقول دائماً – " أدرى بنفسها" لذلك فمن الخطأ أن نقول لهذه المريضة: "أنت سليمة تماماً" وأن "هذه توهمات مرضية" لأنها في الحقيقة ليست كذلك، فعلى الرغم من أنها سليمة عضوياً(بالمفهوم الطبي العام) إلا أن لديها اضطراب حقيقى على المستوى النفسي، وهذا الاضطراب له جذور نفسية(على مستوى ديناميات النفس) وله أسباب عضوية(على مستوى الجهاز العصبي) اللا إرادي، وعلى مستوى الناقلات العصبية وخاصة السيروتونين، لذلك فنحن نظلم هذه المريضة حين نقول لها ونحن سعداء _ "أنت سليمة تماماً"، لأن هذا القول يفقدها الثقة في طبيبها وفى كل الأطباء ، ولكن الصحيح أن نقول لها : " أن قلبك سليم وأن صدرك سليم عضوياً ، ولكن هذه حالة نفسية تحتاج إلى علاج من نوع خاص ، وأن هذا العلاج موجود ومؤثر فى غالبية الحالات". وحين تقتنع المريضة بذلك وتصل إلى الطبيب النفسي وتبدأ في التردد عليه، وتناول العلاج، فإن كثيراً من الأعراض نقل أو تختفي لأن المريضة ببساطة تشعر كما تقول إحداهن أنها "رست على شط "، والعلاج هنا لابد وأن يضع في الاعتبار الجذور النفسية للحالة جنباً إلى جنب مع الأسباب البيولوجية والظروف الاجتماعية


 

رد مع اقتباس