22-12-2012, 04:11 AM
|
#1
|
نائب المشرف العام سابقا
عضو مجلس إداره دائم
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 28619
|
تاريخ التسجيل : 08 2009
|
أخر زيارة : 04-12-2022 (09:58 PM)
|
المشاركات :
6,209 [
+
] |
التقييم : 239
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Navy
|
|
باب الخروج
هى رواية للرائع عز الدين شكرى ..
قد تكون ادبية .. لكنها بالمقام الاول توقعات سياسية تشاؤمية ..
فعلى الرغم من روعة الرواية وتفوق عنصر الاثارة والتشويق فيها ..
الا ان نتمنى وندعوا المولى ان تقتصر على خيال كاتبها ..
اترككم مع الحلقة الاولى من باب الخروج ..
عزيزى يحيى
أكتب لك رسالتى هذه وأنا هادئ تماما، على عكس ما توقعت. بل إن هناك بهجة عميقة تعترينى، وما كنت أحسبنى أبتهج. كنت أظن أنى سأضطرب وأخاف من هول العواقب، أنا الذى لم أدخل فى صدام بحياتى كلها. كنت أتمنى لو لم يحدث أى من الأمور التى حدثت، مع أنى فكرت فى الأمر عشرات المرات، من كل الجوانب التى استطعت تبيُّنها، ووصلت إلى قناعة تامة بحكمة قرارى هذا. تمنيت لو سارت حياتى فى طريقها المعتاد. لكنى، مثلما يقول كل المضطرين لاتخاذ قرار يكرهونه، لم يكن أمامى إلا الاختيار من بين البدائل المتاحة. تمنيت لو استطعت إضافة خيارات أخرى، لكنى لا أستطيع. والمفاجأة أنى لم أعد أكره قرارى، بل على العكس.
لم يبقَ أمامى سوى أربع وعشرين ساعة لأكتب هذه الرسالة التى قد تكون الأخيرة. وكنت أظن هذا الوقت كا فٍ لأكتب لك كل ما أردت، لكنى أدرك الآن أن الوقت لن يسعفنى. كان ينبغى البدء قبل الآن، ربما بثلاثة أيام، لكن لم يكن ذلك ممكنا، من الناحية الأمنية. لذا سأدخل فى الموضوع مباشرة دون استرسال. وأطلب منك منذ الآن أن تعذرنى، فالوقت قليل، ولدىّ أشياء كثيرة أقولها لك، ورغم أنى فكرت طويلا فى ما سأسطره حين أشرع فى الكتابة، وصغته فى ذهنى عشرات المرات، فإن الأفكار تتزاحم الآن فى رأسى. ستجد رسالتى مشوشة بعض الشىء، ومؤكد أنى سأكرر بعض الأشياء، وأطيل حين تظن أن علىّ الإيجاز وأوجز حيث تنبغى الإطالة. سامحنى. لو كان الوقت يسمح لكنت راجعت هذا الخطاب بعد إنهائه وشذبته كى يصبح نصا متماسكا منمَّقًا كما اعتدت أن أفعل. لكن لم يعد هناك وقت لأى من هذا، سأقول ما لدىّ بغض النظر عن الطريقة التى سيبدو عليها الكلام. ولندخل فى صلب الموضوع.
اليوم هو العشرون من أكتوبر 2020، وحين تصل إليك رسالتى هذه، بعد يومين بالضبط من الآن، سأكون سجينا أو جثة. إما سيقولون لك إن أباك مات بطلا، وإما ستقرأ فى الجرائد نبأ خيانتى الكبرى والقبض علىّ. أنا، الذى شاهدت بأم عينى صنوف الخيانة كلها، سيرموننى بدائهم وينسلون، كما فعلوا من قبل، عشرات المرات. لم أحاول منعهم من قبل، لكنى لن أدعهم يفلتون بفعلتهم هذه المرة. لا، ليس هذه المرة. هذه غضبتى، غضبة عمر بأكمله. غضبة قد تكون الأخيرة، لكنى لن أضيعها سدى. أخذت احتياطاتى، وعزمت أن لا ألعب دور الضحية. وهذه الرسالة، قد تكون طوق نجاتى الأخير إن فشلت كل الاحتياطات الأخرى. فاحرص عليها، فقد تكون هى الفارق بين الخيانة والبطولة، بين النصر والهزيمة.
إن قُتلت فى اليومين القادمين، لأى سبب كان، فستكون أنت ورسالتى هذه آخر وسيلة لإنقاذ سمعتى وإنقاذك أنت والباقين من كارثة محققة. فاقرأ جيدا. ولا تتعجل، سأشرح لك القصة كلها. سأبدأ من البداية وأشرح لك كل شىء. وحتى لو لم يقتلونى، أريدك أن تسمع الحكاية منى قبل أن تسمعها من الآخرين. أريد أن أشرح لك ما حدث قبل أن يشوهوا صورتى أمامك. وهذه مسؤوليتى إزاءك كأب ستحمل اسمه رغما عنك ما حييت، وتقترن سيرتك بسيرته شئت أم أبيت. وأهم من ذلك، تتصل دواخل نفسك به وبصورته وبما فعل. ومن ثم وجب علىّ التفسير.
ومن باب الاحتياط أيضا، ولأنى لست متأكدا من نجاتى من هذه المغامرة، لأنهم لا يعرفون حدودا ولا يتوقفون عند شىء، فإنى أريد أن أقول لك الآن كل ما أردت قوله لك فى سنواتك القادمة. سأفعل إذن ما لم نفعله معا من قبل، أنت الذى تبلغ عامك العشرين بعد أسابيع قليلة، وهو أن أحدثك كصديق، من رجل لرجل. سأقص عليك أشياء يُذهِلك سماعها، خصوصا منى أنا، وبعضها سيزعجك. سأحدثك عن مشاعر ربما لم يخطر لك أنى أمر بها، وعن أمك، وآخرين من عائلتنا ومن أصدقائنا المقربين. كنت أفضل أن أقول لك هذه الأشياء واحدة واحدة، وأنت تنتقل من عتبة إلى عتبة فى مشوار الرجولة الطويل. لا يحب الرجل منا سماع النصائح، خصوصا من أبيه، لكن الأب الذكى الصبور يجد دوما طريقا لتسريب النصائح لابنه، واحدة واحدة ومع الوقت. مضطر أنا إلى القفز فوق كل هذا، ومضطر إلى أن أقول لك كل ما أريد دفعة واحدة وأنت فى خطوتك الأولى نحو الرجولة.
لن يعجبك معظم ما أقوله فى هذا الشأن، ولك الحق. ستبحث لنفسك عن طريقك الخاص، بل وقد تحاول إثبات خطأ آرائى، ولك الحق. كل ما أطلبه منك أن لا تحارب هذه الآراء. ضعها فى محفظتك، كصورة قديمة لى، ومن وقت إلى آخر، لنقُل فى عيد ميلادى أو ميلادك، أخرجها وانظر إليها من جديد وفكر فى جدواها وصحتها مرة أخرى. هذه هى الطريقة التى قد تبقى لنا لأكون أباك فى سنواتك الكثيرة القادمة. سأحدثك إذن كأن هذه محادثتنا الأخيرة، وكلى أمل وتصميم أن لا تكون كذلك. لكنى أفعل هذا من باب الاحتياط، فلا أريد إن قتلونى أن أتركك دون أب، ولو فى صورة رسالة.
سأقص عليك قصصى دون حواجز، كأصدقاء. وتذكر، إن أزعجك بعض كلامى، أنى أحبك، كأنك أنا. وأنى حين أنظر إليك أراك كأنى أنا أعيد تشكيله بطريقة أخرى. فنحن فى نهاية الأمر رفقاء سلة الجينات التى نتقاسم معظمها، كأنها سحابة تضمنا نحن الاثنين، أحيانا تصير أنا وأحيانا تصير أنت. وتأكد أنى أحب طريقتك المختلفة عنى كما أحب طريقتى، وأنى أحب فيك تمسكك بهذا الاختلاف ويملأ قلبى اطمئنان وحب وأنا أرقبك تبحث عن نفسك لطريقك الخاص. أنت أنا الآخر. ويوما ما ستشعر مثلى بالضبط، وأنت ترقب ابنك يكبر.
سأحكى لك أشياءً عنى وعن أمك، أريدك أن تقرأها وتحاول فهمها كرجل، لا كطفل ينظر إلى والديه. سأحكى لك عن عمك وعمتك، ولا أدرى إن كنت تتذكرهما، وعن نساء عرفتهن، وأصدقاء سيذهلك أنهم كانوا أصدقاء أبيك. وسأحكى لك عن جدك وجدتك. وعن نور، تلك الشمس المشرقة التى تعرفها لكنك لا تعرفها، والتى ستراها كثيرا إن نجوتُ من مغامرتى هذه وإن لم أنجُ. سأحكى لك عنها كى تراها جيدا عندما تراها. وسأوصيك خيرا بكل هؤلاء، أن تبقى على ود من بقى حيا منهم وأن تزور قبور من مات وتقرأ له الفاتحة، ولو مرة كل عام. ستريك هذه الرسالة وجها لا أحسبك قد رأيته فى من قبل أو حتى تخيلت وجوده. أنا الهادئ دوما، الصامت معظم الوقت، المنفرج الأسارير دون ابتسام، الذى لا يشعر أحد بوجوده كأنه شبح شفاف، سترى نسخة جِدَّ مختلفة لأبيك.
سأتوقف عن الاسترسال وأنتقل فورا إلى ما أريد قوله، لكنى أذكّرك مرة أخرى أن تبلغ كلمتى هذه للعالم إن أصابنى مكروه. انشر هذا الخطاب، دون حذف أو إعادة صياغة أو ترتيب. انشره كما هو، لأن ما فعلته لن يكون له معنى إن لم يعلم الناس به وبالأسباب التى حدت بى إلى فعله. إن حاكمونى فسيكون لدىّ فرصة لفضحهم وشرح ما سيسمُّونه خيانتى للوطن. أما إن قتلونى فسيكون ذلك محاولة منهم لإخفاء القصة بأكملها، وسيقع على عاتقك حينها فضح ما جرى. كل ما عليك فعله هو وضع هذه الرسالة على الإنترنت. أمامى أربع وعشرون ساعة كى أكتبها، وعند بدء الهجوم مباشرة سأرسلها، فى تمام الرابعة صباحا. وستصل إليك بعدها بأربع وعشرين ساعة أخرى تكون خلالها قد نسخَت نفسها مرارا فى نقاط آمنة بحيث لا يمكن لأحد محوها. لن يفلتوا هذه المرة.
أكتب لك من بحر الصين الجنوبى، من فوق متن سفينة شحن تجارية بريئة المظهر، نشقّ عباب البحر فى هدوء شديد عائدين إلى مصر. يُفترض أن نبلغ ميناء النصر الجديد بعد خمسة عشر يوما نحن والشحنة النووية التى نحملها وسط آلاف الحاويات التجارية. بمجرد وصولنا سيتم توزيع هذه الشحنة على الصواريخ التى تنتظرها، وإطلاقها على قيادة قوات الاحتلال فى العريش وشرم الشيخ ونخل والمراكز السكانية الكبرى داخل إسرائيل، وعلى القوات الأمريكية المنتشرة فى الأحساء وغرب إيران. هذا هو الحل النووى النهائى الذى توصل إليه الرئيس القطان بعد فشل كل الحلول الأخرى.
لا أحد يعلم بمحتوى شحنتنا هذه غير ستة أشخاص، رجل صينى واثنين من كوريا الشمالية، والرئيس القطان واللواء المنيسى وأنا. أو هكذا يُفترض. لكن الحقيقة أن هذه السفينة الهادئة قليلة العمال والركاب ستجتاحها فرقة كاملة من البحرية الأمريكية فى الرابعة من صباح الغد، أى بعد أربع وعشرين ساعة بالضبط. الحقيقة أيضا أنى -أنا المترجم الصامت الذى لم يأخذ فى عمره موقفا حادا- أنا من أبلغهم.
أنا الخائن.
ع.ش.فشير
|
|
|