قبل أن تأخذ هذا الدواء ...!
قبل أن تأخذ هذا الدواء ...!
الإخوة والأخوات .. الأفاضل والفضليات ...
نزلت على منتداكم الطيب ضيفا منذ مدة قصيرة ..
وأثناء تواجدي فيه : اطلعت على بعض الحالات والشكاوى ..
وكنت أريد أن أدلو بدلوي في خاطرة خطرت لي ..
فلعلها تنفع بعضكم ممَن مرضه واكتئابه ليس عضويا ً..
فأقول والله المستعان ..
تعالوا معا نتخيل الآتي ...
هل لو نقلنا مشاركات بعض الإخوة والأخوات :
والتي يشتكون فيها من هم أو زوج أو زوجة أو فشل معين أو مرض إلخ إلخ :
هل لو نقلناها إلى أي منتدى اجتماعي عادي آخر ...
فهل سيلاحظ أحد أن ما يشتكي منه هؤلاء الاعضاء وفقهم الله : هو شيء (مَرضي) ؟؟..
بمعنى آخر ...
أخشى ما أخشاه (وأنتم كلكم إخواني وأخواتي) :
أن يكون السبب الحقيقي في الاكتئاب والهم والغم عند البعض هو :
ضعف بعض النفوس أصلا ًعن تحمل مشقات الحياة التي لا يخلو منها بيت أو التي نمر بها جميعا !
وسبب ذلك الضعف هو :
إما تدليل في التربية ..
وإما نقص في فهم حقيقة الحياة .. وربما صاحبه مثالية خيالية في تصور خيرية الناس كلهم !!!..
وإما رفاهية زائدة : بحيث لم يعتد صاحبها خشونة وحقيقة الاحتكاك في الحياة ..
وإما بُعد عن الله تعالى والتعلق به وإيكال الأمر إليه .. إلخ .. أو كل ذلك للأسف ؟!!!..
وبالطبع ...
موضوعي هذا ليس دعوة لترك الأخذ بالدواء .. ولا حتى استبداله بالرقية الشرعية إلخ إلخ
ولا حتى الذهاب لمَن يكشف عن وجود جان أو عمل إلخ إلخ ...
ولكني أريد أن أقول :
أننا نحن البشر : نفوسنا جدا ًعميقة ومعقدة التركيب ...
وهناك من الناس - وخصوصا ًالنساء أو الشابات - مَن يظن أن الحياة سهلة ..
أو تغلب عليهن النظرة الوردية للحياة : وللزوج : وللأولاد إلخ إلخ :
فلا يفكرون إلا في أجمل ما في ذلك كله :
ويتناسون أنه ما من زهر ٍجميل ٍ: إلا ومعه شوك !!!..
فمَن أراد من هذا : فليذق من شوكه !!..
ومن هنا تحدث لبعضنا بعض الصدمات أو الهزات النفسية : سواء من موقف معين مفاجيء ..
أو من عدة مواقف باتت متكررة في حياته تسبب له الألم والحزن وخصوصا ًالنفسي ..
ومن هنا أقول :
وإذا لم تكن متأكدا ًبأن اكتئابك وقلقك إلخ : هو 100 خلل عضوي كيميائي أو هرموني :
فهل جربت أن تعيش مشاكلك كباقي الناس التي تعاني ولكنها تستمر في الحياة ؟!!..
هل جربت أن تستعين بخبرات الأخرين ؟؟؟..
هل جربت أن تكون قويا ً: أو حتى هل قررت أن تكون قويا ً؟!!..
فإذا لم تكن فعلت :
فأرجو أن تجرب هذا أخي وأختي ...
فالدواء نوعان .. منه ((الشافي)) للمرض بالفعل .. ومنه ((المسكن)) فقط لألم المرض ..!!
>>
فأما الدواء الشافي : فهو الذي يقضي على وجود المرض والحمد لله ..
>>
وأما الدواء المسكن : فهو علاج سطحي فقط !!..
حيث هو أشبه بالمخدر أو المُغيب عن الوعي !!.. وإنما في الحقيقة :
فهو لم يعالج شيئا ً!!!..
وذلك :
لأنك لم تشخص سبب اكتئابك وقلقك بالفعل !!!..
هل هو عضوي حقا ً..؟؟
أم هو بسبب خلل في سير حياتك : سواء في نفسك أنت أو في الآخرين من حولك ؟!!..
فجرب أخي وأختي ان تعرض مشاكلك على مَن هم أكثر منك خبرة : وربما اكبر سنا ًوحكمة ..
فكم من مشاكل اكتئاب وأرق وقلق وقلة نوم : هي تحدث لنا جميعا ً!!!..
خلاف مع الزوج أو الزوجة .. عقوق أبناء .. ظلم آباء .. متاعب في الدراسة أو العمل إلخ
والسؤال الآن :
هل مجرد أخذي لدواء : يجعلني أنام أو يقلل على شعوري بالقلق إلخ أو يقضي عليه (مؤقتا) :
هل هذا هو الحل والعلاج ؟!!..
أم أنه فقط مسكن وقتي : ويبقى أصل المشكلة كما هو :
الزوج كما هو .. الزوجة كما هي .. الأبناء كما هم .. الآباء كما هم .. الدراسة والعمل كما هم !
بل زد على ذلك :
أن النفس قد تدمن هذه الادوية :
لأنها تبعث على السكون والراحة من التفكير والأرق وقلة النوم إلخ ...
وهذا - وصدقوني - لو لم يكن له ضرورة عضوية وعلاجية حقيقية :
فهو وبال على صاحبه ويؤثر على حياته النفسية والصحية سلبا ً: أيما تأثير للأسف !!..
والشاهد إخواني وأخواتي وحتى لا أطيل عليكم ...
أنا لا أدعو أحدا ًلوقف دواء - فالتوقف المفاجيء أصلا ًمشكلة - !!..
ولا أدعو أحدا ًلترك دواء : فقد يكون مريضا ًعضويا ًبالفعل : خلل كيميائي أو هرموني إلخ ..
ولكني أدعو كل مَن يعرف في نفسه أن نفس مشاكله : هي عند الآخرين :
أن يرجع إلى نفسه ليناقش مشاكله ويواجهها مع أطرافها الحقيقية !!!.. فهذا هو العلاج الوحيد له !
وصدقوني :
ما في مشكلة إلا ولها حل والله ..! ومهما ظهر من تعقيدها وصعوبتها .. ولكن بشرط :
أن يصدق الأطراف في رغبتهم في الحل ...
في وقت من الأوقات - وأنا شاب في أوائل الجامعة - : كرهت التلفاز كرها ًكبيرا ً..
وذلك بسبب كل ما فيه من معاصي وزنا وعري وسفالة وميوعة ورقص وتشويه للدين وكذب إلخ ..
فكنت كلما دخلت من باب الشقة ووجدته مفتوحا ًوأسرتي أبي وأمي وإخوتي حوله :
ينقلب وجهي إلى التكشير وأدخل غرفتي مباشرة ًبدون أن أتكلم مع أحدهم :
لأني أخبرتهم من قبل بكل هذه المحرمات دون جدوى ..
< هم الآن صاروا ولله الحمد أكثر التزاما ًبعد مارسون طويل من الدعوة معهم والفضل والمنة لله >
والشاهد :
أني قمت في أحد الليالي بعد منتصف الليل : فوجدت أبي يمسك ورقة بيده :
ويرش بماء في أركان الغرفة والصالة إلخ !!!..
فلم أشأ أن أتكلم معه ولا أشعره بأني مستيقظ .. ولكني في الصباح سألت أمي عن ذلك ؟؟..
فقالت لي إنه يظن أنك مسحور !!!!.. سألتها لماذا ؟؟.. فقالت لأنك كلما دخلت البيت كشرت !!!..
فسبحان الله العظيم !!!..
هذه حالة فقط للتقريب إخواني بأن بيوتنا فيها الكثير والكثير الذي يريد الفرز والنقاش حوله !
الزوجة تجلس مع زوجها جلسة ود ومحبة : وتسأله عن نفسها .. ماذا يعجبك في وماذا لا يعجبك ؟
وكذا الزوج ....
وكذا الأبناء والآباء والرؤساء والمرؤوسين إلخ ..
أحيانا ًتكون الصعوبة فقط : هي في مَن الذي يبدأ بنقاش المشكلة : وليست في المشكلة ذاتها !
أحيانا ًكثيرة تكون المشكلة فقط هي في التشخيص .. في وضع اليد على الألم الحقيقي وسببه !
ولكن صدقوني بعدها : تأتي الراحة .. ويأتي التعايش حتى مع المشاكل بطيب نفس !!..
فالدنيا أصلا ًمبنية على الكدر والضرر !!.. وذلك لأن الله تعالى لم يخلقها جنة !!!..
بل خلقها للابتلاء والإظهار والامتحان !!.. وليُظهر كل ٌمنا معدنه !!..
أين الصبر ؟؟.. وأين الحِلم ؟؟.. وأين الغفران وأين التسامح ؟؟..
وأين الحكمة في الصبر على أذى صغير : في مقابل عدم وقوع أذى أكبر ؟!!!..
حتى الزوج أو الزوجة الذين بينهم مشاكل : تجدهم يصبرون على حياتهم من أجل أبنائهم !!..
يقولون :
ليس شقاؤك في أن تكون أعمى ..
ولكن شقاؤك : في أن تعجز عن احتمال العمى والتعايش معه !!!..
نعم .. فالعمى هو قدر من الله : لا دخل لك فيه : فعلام الاعتراض والتسخط ؟!!..
ولكن تعايشك وتحملك للعمى : هو بيدك .. فلا تضيعه ..
وأما الأخوات الفضليات خصيصا ً(شابات ونساء متزوجات وعازبات) : فأقول لهن :
أنتم قد تكونون في ضيق ٍأكبر من الشباب والرجال لسببين ..
الأول :
أنكن عاطفيات في الأصل .. فالمرأة عنوان الرقة والحنان والعطف : أخذا ًوعطاء ً..
وعلى ذلك : فالمرأة أو الشابة عموما ًأكثر تأثرا ًمن الناحية النفسية والعاطفية بمشاكل الحياة ..
ولكن لها ميزة قد غرسها الله تعالى فيها .. وهي أن لها قدرة كبيرة على الاحتواء .. فقط إذا أرادت ..
الثاني :
أنكن ملازمات للبيوت أكثر من الشباب والرجال .. والمكث في البيت مع الحزن والقلق والاكتئاب :
عذاب !!!.. بل هو للسجن أشبه والله المستعان ...
والحلول في نظري ...
- يجب أن تكون لها صديقة أو أخت في الله : وياحبذا أكثر من واحدة ممَن تثق فيهن .. وتتواصل معهن دوما ً..
وذلك لكي يكون لها ركن دائم تبثها همومها .. أو تفضفض معها وتغير معها حالتها النفسية ..
- يا حبذا لو يكون لها نشاط خارجي .. مثل المواظبة على دروس في مسجد أو دروس تحفيظ ..
فمثل هذه التجمعات وغير ما فيها من ثواب وفائدة وبركة : إلا أنها تجمعها باخوات وربما أمهات في الله ..
كما أن في فرصة الخروج في حد ذاتها وتغيير جو المنزل ميزة كبرى في كسر حدة الاكتئاب أو الهم والقلق ..
ومثل ذلك أيضا ًالزيارات العائلية وزيارات الصديقات أو الجارات إلخ ..
- يجب أن تعرف كل امرأة - وكذا كل رجل - أن الله تعالى ما أخذ منه شيئا ً: إلا وأعطاه آخر ..!
فلو أخذ منه غنى .. أعطاه راحة بال .. وربما أخذ منه صحة : فأعطاه زوجة طائعة وولدا ًصالحا ً.. وهكذا ..
وعلى هذا : فكن نفسك .. وكوني نفسك .. ولا تتمنى أن تكون غير نفسك .. وانظر بداخلك :
تجد خيرا كثيرا ًإن شاء الله .. فرُب شيئ عندك : محروم منه كثيرون غيرك ولا تنتبه ..
وفي النهاية ..
وأكرر وأعيدها مرة أخرى ...
ليس هذا الموضوع دعوة لترك التداوي .. أو عدم الاعتراف بالأدوية النفسية أو العصبية ..
ولكني أخاطب فئة من إخواني وأخواتي :
أظنهم الآن يمكن أن يعرفوا أنفسهم : أنهم ليسوا مختلفين عن غيرهم في شيء من مشاكلهم الشخصية ..
هي عند كل أحد .. والفرق فقط : أنهم يريدون التخلص منها إلى الراحة بغير عناء :
عن طريق الأدوية المهدئة ونحوه ..
فيبقى أصل المشكلة كما هو لم ينحل ... ويصير الأخ أو الأخت للأسف أكثر تعلقا ًبالدواء ...
فاللهم يا كريم يا حليم يا عظيم :
اشف كل أخ وأخت من مرضه .. واكتب له خيرا ًفي مرضه .. أو اخلفه خيرا ًمنه في الدنيا والآخرة ..
واللهم يا رؤوف :
فك كرب كل مكروب ومهموم ومغموم ومحزون .. وبصره بصلاح نفسه ..
ولا تجعله من العاجزين عن نفع نفسه بتبصر مواضع قدميه في الحياة ...
اللهم آميــن ...
|