عرض مشاركة واحدة
قديم 18-07-2013, 01:21 AM   #1
مراقب بالرادار
عـضو أسـاسـي
الم غامر،,


الصورة الرمزية مراقب بالرادار
مراقب بالرادار غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 43532
 تاريخ التسجيل :  05 2013
 أخر زيارة : 16-09-2022 (11:25 PM)
 المشاركات : 939 [ + ]
 التقييم :  55
 الدولهـ
India
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Blue
الله من هم بروحي سهجها ؛ <v إكتئ ـــــــــــــــــــــــــآب شاعر



الشعر و النفس

إكتئ ـــــــــــــــــــآب







<v ـــــــــــــــــــــــــآب 224848_31351.jpg





حين تحتدم الصراعات النفسية Psychological Conflicts

في دهاليز شاعر بقامة الأمير محمد الأحمد السديري لا بد أن يُجّسدها إبداعا شعريا خالداً

تتناقله الأجيال جيلا بعد جيل ويستشهد به كل من مر بضائقة نفسية مشابهة، ولعل في هذا بُعدا علاجيا

حيث تُتاح للمرء التعبير عن انفعالاته بطريقة "مكبسلة" في بيت شعر أو حتى شطر من بيت شعر.


في هذا النص (حلو نباه وقلبه أسود من الصاج) يُترجم الشاعر انفعالاته المتصارعة بسبب خيبات أمل من (الآخر) أيا كان هذا الآخر

كما أنه يدعو إلى أن الأولى تكتّم الشخص على سره من أن نشره لمن ليس هو أهلا للثقة مما يوقع المرء في إحراجات اجتماعية لا حصر لها.

فحين يعّز الصديق صادق الوعد المنصف والمؤتمن لا يكون هناك خيارا أمام العاقل سوى كبح انفعالاته مما ينعكس على نفسيته سلبا. فلنسبر أغوار هذا النص لنرى عمق الرؤى النفسية المتوارية خلف الأبيات








الله مـــن هـــم بــروحــي سـهـجـهـا،،،،,,,بخافي ضميري في كنين الحشا لاج
احــــر مــــن نــــار تــوقــد وهـجــهــا،،،,,,منها خطر روحي علـى سلـك ديبـاج
وعين عسـى المولـى يعجـل فرجهـا،،،,,,يـفـوح نـاظـرهـا كـمــا عـيــن هـــداج
استرسـلـت للـدمـع مــن مارهـجـهـا،،،,,,غـيـظ يـكـظ عـبـارهـا مـثــل الامـــواج
كـــم واحـــد لـــه غـايــة مـاهـرجـهـا،،،,,,يـكـنـهـا لــوهــو لـلادنـيــن مـحــتــاج
يـخـاف مــن عـوجــا طـــوال عـوجـهـا،،،,,,هرجـت قفـا يركـض بـهـا كــل هــراج
يقضب عليـك المخطيـه مـن حججهـا،،،,,,حلـو نبـاه وقلبـه اســود مــن الـصـاج
والرجـل وان شطـت لياليـك سجـهـا،،،,,,عـســى توالـيـهـا تـبـشــر بــالافــراج





لنبدأ بالبيت الأول إذ يقول:

الله من هم بروحي سهجها
بخافي ضميري في كنين الحشا لاج

فبدأ الشاعر بلفظ الجلالة جلّ في عُلاه مستنجدا فيه سبحانه مما داهمه من هم واكتئاب Depression غزا روحه ، فقد وصف كيف تسلل الحزن لروحه ليستقر في وجدانه ِِِHis affect وقد استخدم مفردة "ضميره" وخصّص أنه الضمير المستتر (خافي الضمير) أي لا يشعر به إلا هو: فالنار "تحرق رجل واطيها" كما يُقال، أما الضمير المُعلن فهو المتجّسد بسلوك عياني. ثم يسترسل أن "الهّم" قد مّر في "كنين الحشا" إشارة إلى الشيء المكنون كما يُشّبه الدر بالمكنون. وهنا تتضح إعتزاز الشاعر بخصوصياته ليختم البيت بمفردة وٌفق في توظيفها وهي مفردة "لاج"... من الولوج، وهي عملية تتم بطريقة انسيابية دون أن يُدرك الشخص مراحلها كقول الحق سبحانه (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل).

ثم يمضي الشاعر بوصف ماهية هذا الإكتئاب، فيبدأ بوصفه بأنه أشّد حرا من النار الموقدة لدرجة أن ضوءها وسناء لهبها مستمر في الإحتراق، بمعنى آخر أن اكتئابه مُحرق وإحراقه في تصاعد وليس مستقرا على وتيرة وجع واحدة فقال:

أحر من نار توقّد وهجها

ويلحق عجز البيت بوصف غاية في الدقة إذ يُشبّه الخطر الذي تتعرض له روحه من جراء هذا الإكتئاب موشك وكأن روحه تمّر على سلك ديباج، وهو سلك الحرير الذي يوشك أن يُقطع بأية لحظة، وكأني بالشاعر يستحضر ضمنا المثل القائل:
"الدنيا لأقبلت يجرها سلك الحرير و إذا أدبرت تقطع المحوص" والمحوص هي الحبال الغليظة التي يسنون عليها. فقال:

منها خطر روحي على سلك ديباج

ثم يبتهل الشاعر لله سبحانه أن يُعجل بفرج عينيه، هنا نلمس المنظومة القيمية الدينية القابعة في نفس الشاعر متمثلا قول الحق (ففروا إلى الله)، والمذهل أنه لم يستخدم مفردة فرج من حزنه بشكل مباشر بل هرع إلى المعنى الحسي الذي يُترجمه شعور المكتئب الميّال بطبعه لكثرة البكاء فقال:

وعين عسى المولى يعجّل فرجها

وتجتمع زمرة العواطف لتترجم بشكل حسي بغزارة الدموع من الحزن، والربط بين الحزن والدمع ربط منطقي وقد تجلّى واضحا في قصة سيدنا يعقوب عليه السلام -حين وصفه الحق في حزنه على ولده سيدنا يوسف عليه السلام- بقوله (فابيضت عيناه من الحزن فهو كضيم). وقد وٌفق الشاعر حين وظّف مفردة (يفوح) وهي مفردة شعبية غالبا ما تُستخدم في حال القدر الذي وصل الماء داخله لدرجة الغليان ففاح أي طفح ماءه أو نضح. والمثل المشهور (كل إناء بما فيه ينضح) أي يفوح. فيُفهم أن دمعه يتدفق بحرارة، وعلى الفور أتى بمثل ليقّرب الصورة النفسية التي يعيشها فضرب مثلا ببئر هداّج وهي بئر في مدينة تيماء مشهورة بغزارة وتدفق مياهها بشكل غير عادي و على مدار العام فقال في عجز البيت:

يفوح ناظرها كما عين هّداج

بعد ذلك يشرح أن عيناه قد استلمتا للدمع من الضغط النفسي فاستخدم لفظة "رهجها" أي ضغط عليها فقال:

استرسلت للدمع من ما رهجها

و لتكملة الصورة استمر في وصف خلاّّب ودقيق لحالته الانفعالية والمتجسدة في مقلتيه فوصف الغيظ أو "الغضب" الذي يستشعره أدى إلى تدافع العبرات

مستخدما مفردة "عبارها" وهي جمع "عبرة" أو "دمعة"- مشبها ذلك التدافع بالأمواج المتلاطمة في المحيط فقال:

غيظ يكظ عبارها مثل الأمواج

ثم بعد هذا الوصف الدقيق لحالته النفسية ينتقل بنا الشاعر من "شخصنة" الحالة إلى تعميمها

ليُطل من علي على الرؤى النفسية لدى المجموع فيقول هناك العديد من البشر لديهم حاجات Needs

لا يسمح لهم الوضع الاجتماعي لاسيما مع تنامي ثقافة "العيب"

فيلجئون إلى "كبتها" في الداخل، والكبت Suppression كميكانزم دفاعي أو حيلة من حيل الدفاع النفسي

يؤدي إلى تقلص الاقتصاديات النفسية لدى المرء فيبدو على الشخصية الإعياء النفسي واضحا فقط بسبب الكبت وعدم التنفيس الانفعالي

وقد عبّر الشاعر عن كل ذلك بمفردة (ما هرجها) أي لم يُعبّر عنها ..فقال:

كم واحد له غاية ماهرجها

ويُكمل في عجز البيت شرح الوضع النفسي لمن هذه حاله إذ يلجأ للكبت حتى لو كان محتاجا للبوح بها للأدنين (أي المقربين) فقال:

يكّنها لو هو للأدنين محتاج

ويسترسل الشاعر في سرد الحيثيات التي تكبح المكبوت من البوح، ليذكر أن أهمها "الخوف" من شيوع مسألة عوجا (أي معيبة أو محرفة)

يستغلها دنيء نمّام ليطعن بها الشخص من الخلف أي في غيابه فأسماها "هرجت قفا" يُسارع "الهّراج" أي "النمّام" بالركض بها

وهو استخدام مجازي يُعبّر عن أن النمام سيسارع إلى بثها في الوسط المجتمعي فقال:

يخاف من عوجا طوال عوجها
هرجت قفا يركض بها كل هّراج

ثم يأتي بنا الشاعر لبيت القصيد والذي عنّون للقصيدة بعجزه إذ يوصف حال النمّام بالقنّاص

الذي ينتظر الفرصة للإمساك بخطأ أو زلة منك فيمسك بالخطأ من حججها (جمع حجة أو برهان) فيقول:

يقضب عليك المخطيه من حججها

وبعد هذا يأتي العجز والذي يمثل عنوان القصيدة ، ويختزل حال الكثيرين من أولئك الذين يتقمصون أكثر من شخصية

وبتعبير آخر يُمارسون النفاق الاجتماعي فقال أن ألسنتهم كالشهد وقلوبهم أسود من الصاج لما ران عليها من أحقاد

كما وصفوا في آي الذكر الحكيم: (كلّا بل ران على قلوبهم)، فقال :

حلو نباه وقلبه اسود من الصاج


ويقدم لنا الشاعر السديري الحل لعدم الوقع في مصيدة هؤلاء المنافقين وذلك بالهجرة عن مواطنهم

وهذا يتسق والطرح القرآني (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم، قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟)

فالشاعر يُذكر أن ربنا خلق دنيا واسعة الآفاق والمساحات حين وظف مفردة "فججها" فقال:

الله خلق دنيا وساع فججها

وفي عجز يوجد لك السبيل بأنك إن شككت بأمر ما فلديك طرق عدة وخيارات عدة ومخارج عدة عبر عنها بمفردة "منهاج"

وكأنه يتماهى مع الحديث الشريف (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) وكذلك مع الحديث (الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس)

فقال:

وعن ما يريب القلب لك كم منهاج

وبذات السياق الإرشادي يُقدم الشاعر –عن تجربة- وعن رؤية نفسية بحال الناس نصيحة أن إنت رأيت زللا في مكان ما عبر عنه بالليالي

فأتركه عسى أن تُستبدل بخير منه معبرا عن ذلك بأمنية أن عسى النهايات تبشر وتنبي بانبلاج فجر عتمة تلك الليالي، والتي قصد بها الأمكنة وقد شبهها بالليالي لسوادها فقال:

والرجل وان شطّت لياليك سجها
عسى تواليها تبشر بالإفراج


الخلاصة النفسية:

لاشك أنها قصيدة رائعة مليئة بالعبر التي يُقدمها الشاعر عن تجربة شخصية عايشها واكتوى بنارها

ويقدمها لنا بشكل أدب نفسي راقي جدا عّلنا وعلّ الأجيال من بعدنا تستفيد

من هذه العبر والدروس الحياتية.





بقلم
أ.د. سلطان بن موسى العويضة
أستاذ علم النفس
إستشاري العلاج النفسي
جامعة الملك سعود



<v ـــــــــــــــــــــــــآب 4767634054_ebe775071




<v ـــــــــــــــــــــــــآب images?q=tbn:ANd9GcR

الشاعر الأمير محمد بن أحمد السديري رحمه الله

ki8ds4

الله يشفي كل مريض عاجلا غير آجل ،,
المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس