المؤامرة .. قصة قصيرة بقلمي
هذه قصة قصيرة كتبتُها قبل شهور .. أرجو أن تنال إعجابكم :))
المؤامرة
لا يزال يلاحقني.
كنتُ في مكتبي الذي حُفِر في مقدمته “المدير العام: ياسر اللحّام” بشركة ياسر اللحام و أبناؤه لتأجير السيارات”، و التي كانت قريبة من بيتنا؛ منغمسًا في توقيع بعض الأوراق حتى تيبّست رقبتي، و اشتكى كاهلي. “لا بدّ لي من راحة قصيرة أدلّل فيها نفسي”. فطلبتُ من الفرَّاش أن يحضر لي قهوة أسبريسو ساخنة، أتعللّ بها، ريثما أرجع إلى حمَّام ساخن، و نومة لذيذة. ارتشفتُ قهوتي و ياه! ذاك الشراب السحري، يتضمّن المتعة، و التهدئة، و اللذة، في آن! و أنا أشرب القهوة التفتُ إلى نافذة مكتبي الفخم، الموجود في الدور الأول. كان يطلّ على شارع فرعي، و الناس رائحون غادون، كلٌّ إلى غايته يسعى، و على ليلاه يغنّي. و حيث أحدّق إلى الخارج، شاهدتُ رجلًا مريبًا يبادلني التحديق. كان يلبس الجينز الأزرق الضيِّق، و حذاءً أحمر قانيًا، عليه خطوط عريضة بيضاء. و معطفًا من خام جلد، أسود لامعًا، أما وجهه فلا أستطيع أن أتبين تقاسيمه، إذ كان يلبس نظارة سوداء تستر نصفه. كان يمسك نقاله بإحدى يديه، و الأخرى أراها في جيبه … ما هذا الذي في داخله؟ مسدّس؟! لا أظنّ عيني ممكن أن تخطئ شيئًا كهذا. نظر إليَّ مدةَ دقيقة كاملة، ثم بعد هذه الدقيقة أغلق الهاتف!
أتُراه ينوي بي شرًّا؟ لا أدري، و لكن ما أعرفه أنه مريب.
انشغل فكري بهذا الرجل عن التوقيعات. ليس ثمة فائدة من مكوثي هنا هذا اليوم. الأفضل أن أغادر على أن أنتهي منها غدًا. غادرتُ المكتب و أقفلتُ الباب قفلين! هكذا أنا أرتاح، و إن كان الأمر سيَّان عند هذا الرجل إن أقفلتُه مرة أو مرتين، و لكنها حاجة في نفسي قضيتُها!
توجهتُ إلى سيارتي اللَّكسز، و شغَّلتُها و حولتُ المقود حيث وجهتي، بيتي و أهلي. تحرَّكت سيارتي حتى وصلتُ إلى إشارة حمراء، فأوقفتُ سيارتي، ألقيتُ برأسي على مسند الكرسي، و نظرتُ عرضًا إلى المرآة، فإذا نفس الرجل خلفي! هل هي صدفة؟ أم أنه يريد أن يصدِّق ظني؟! اضطرب قلبي، و اتسَّعت عيني، و تسارعت أنفاسي، و رجفت يداي لا شعوريًّا.
نعم نعم! هو ذا يقول أن الحالة التي مررتُ بها آنفًا في مكانها! فقد استمرَّ في ملاحقتي!
لا إراديًّا دستُ على “البانزين” و كأني سأفلت منه إن فعلتُ! و لكني فعلتُ ذلك على كلّ حال. الداهية أنه يسرع كلَّما أسرعتُ. كما قلتُ سابقًا أن بيتي كان قريبًا من الشركة. يا ربِّ سلَّم سلَّم.
أوقفتُ السّيّارة في موقف السيارات ببيتي. و نظرتُ إلى المرآة فإذا هو يوقف السيّارة قريبًا مني. بسرعة رهيبة خرج من سيَّارته قبل أن أجد الوقت لدخول البيت. إنه يتوجَّه نحوي، و عينه قد تلاقت مع عيني، أخرج المسدَّس من جيبه، ثم أطلق النار نحو صدري، صوت الرصَّاص يدوّي في الشَّارع، يخترق السُّكون، ثم يخترق قلبي … وقعتُ على الأرض، قد وصل صراخي إلى البيوت المجاورة، لون أحمر يلطِّخ جسدي، حوَّلتُ عيني نحو بيتي، لأراه آخر مرة، مستعدًّا لعناق الموت … “أشهد أن لا إله إلا الله” … و فجأةً، انفتح باب بيتي بكلِّ قوة، رأيتُ زوجتي تعدو عدوًا إليَّ، فزعةً مذعورة، عينا القلق و الشفقة بادية عليها …
انحنت بقربي، و أمرَّت يديها الحانيتين على شعري، ثم قالت:
“حبيبي ياسر، هل تناولتَ حبوبك اليوم؟” ….
التهمتُ جرعات كبيرة من الهواء، و العرق يتساقط من جبيني … مجرَّد أعراض “فُصام” … مجرَّد أعراض “فُصام”.
|