طريقك الى الحب كيف تمشيه؟
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
الناس اليوم مستنفذون بالشكوك حول علاقاتهم الانسانية. ولسان حال كل منهم يتساءل: هل بددت افضل سنين عمري؟ هل وجدت شريك حياتي المناسب؟ ولذلك هناك نوع من التسوق القلق بحثا عن شركاء الحياة كما لو ان «الشريك المناسب» يمكن العثور عليه باجراء مقارنة بين السلبيات والايجابيات. فمهما كان شعورك جيدا او سيئا عن علاقتك الانسانية فإن الشخص الذي تربطك تلك العلاقة به ماهو الا مرآة تعكس ما بداخلك انت. فعندما تتصارع مع شريك حياتك فإنك في الواقع تتصارع مع نفسك وكل خلل او عيب تراه فيه ما هو الا نقص او نقطة ضعف فيك وكل نزاع تثيره انما هو تبرير لعدم مواجهتك للنزاع داخل نفسك. لذلك فإن «الطريق الى الحب» يصحح خطأ جسيما يرتكبه الملايين من الناس وعندما تجسد حبيبك فإنك تجد نفسك فيه.
بالصبر والتضحية تحقق المتعة المطلقة في الحب!!
من خلال «الاستسلام» تتحول احتياجات الذات التي يمكن ان تكون انانية جدا وخالية من مشاعر الحب تماما، الى حاجة حقيقية للروح التي تبقى دائما دون تغيير - الحاجة للنمو، مع تقدم الانسان في مراحله العمرية يتخلى عن المشاعر السطحية والمزيفة لصالح المشاعر العميقة والحقيقية وبذلك تتحول عنده مفاهيم الصبر والثقة والتضحية والخدمة الى حقائق ملموسة. وبذلك تكون العلاقة الزوجية القائمة على هذه الحقائق علاقة مقدسة لا يمكن ان تتزعزع لانها قائمة على جوهر روحي. كما ان هذا الزواج بريء لان هدفك الوحيد هو حب شريك حياتك الزوجية وخدمة الآخرين.
الاستسلام هو المدخل الذي يجب على الانسان ان يلجه لكي يكتشف الحب.فمن دون الاستسلام يظل الحب مركزا على تعطش الشخص للذة والاثارة الحسية. اما في الاستسلام فيتجه الحب نحو الحياة في حد ذاتها بمعانيها الروحية. فالحب بالضبط مثل ترك نفسك تنجرف مع تيار الحياة الذي هو سرمدي ولا يتوقف عن التدفق.
الثمرة النهائية للاستسلام هي قمة النشوة. فعندما تتخلى عن جميع نوازعك الانانية وعندما تؤمن وتثق بأن الحب موجود فعلا في لب طبيعتك فانك ستشعر بالسلام الكامل. وفي هذا السلام توجد بذرة الحلاوة الكامنة في مركز الوجدان. ومن هذه البذرة وفي ظل الصبر والتضحية تصل الى حالة المتعة المطلقة التي يطلق عليها ذروة النشوة.
هذا هو اذن الطريق الى الحب ولكنه ليس الطريق الوحيد. فبعض الناس يتزوجون من دون ان تكون بين الزوجين علاقة حب ولكن هذا لا يعني بانه لا يوجد لهم طريق الى الحب. وبالنسبة لهؤلاء الناس يوجد الشخص الذي يحبونه داخل انفسهم منذ البداية وهو يمثل روحهم او تصورهم اوغايتهم في الحياة. وهذه الوحدانية تزدهر وتصبح حبا على طريقتها الخاصة وهي قائمة على علاقة انسانية لان الانجازات النهائية واحدة بالنسبة لنا جميعا: الادراك بأننا نحن الحب. وهذا الانجاز ليس مقتصرا على الذين يتزوجون فقط. فهذا انجاز مفتوح امام جميع الناس ومقدس لدى جميع الثقافات الروحية. ولنبسط الأمر اكثر: جميع العلاقات الانسانية هي في نهائية المطاف علاقة بين الانسان وربه سبحانه وتعالى.
رغم حقيقة ان الحب مهم لكل انسان الا ان قلة منا ينكرون بأن الحب يعاني من أزمة ليس هناك ازمة اكثر منها عمقا. فالحب اما انه غير قوي بما فيه الكفاية لانقاذنا من الجانب الظلامي في طبيعتنا او ان شيئا ما حدث جعلنا نبتعد عن الحب.
قد يكون اي من هذين الاحتمالين صحيحا. يقول سغموند فرويد ان وصية المسيح عليه السلام:«احبب جارك كما تحب نفسك» مستحيلة من الناحية السايكولوجيه.
لكن رغم كل الأدلة التي تستند اليها مقولات علم النفس الحديث الا ان التصور الروحي للطبيعة البشرية ظل مهيمنا. فعندما ترى نفسك كروح فانك لن تشعر بالحب فقط وانما تصبح انت الحب ذاته. وعندما تصبح الحياة هي الحب والحب هو الحياة. ويكون الحب هو الذي يحافظ على تماسك الجسد. وتكون الرغبة مجرد حب للذات والمعرفة ماهي الا حب الحقيقة.
لا يمكن الاعتماد على الروح كأساس للحب الا اذا كانت الروح حقيقية. لكن علم النفس الحديث يقول ان الذات الروحية (النفسية) عبارة عن صورة تتطور مع الوقت وبأنها مزيج يجمع بين الغرور الذاتي والشخصية الذاكرة المتراكمة منذ الطفولة المبكرة وبما انك شخص فريد بالكامل ولذلك فان ذاتك الروحية (النفسية) معزولة ومنفصلة عن الذات الروحية (النفسية) لكل شخص آخر.
لكن اذا تصورت كل شخص كما يقول الروحانيون كقطعة من الذهب: خاتم ذهب، ساعة ذهب، سلسلة ذهب. يمكنك ان تقول انا خاتم او ساعة او سلسلة ولكن هذه مجرد اشكال مؤقته. ففي الحقيقة انت ذهب - وهذا هو جوهرك مهما تغير شكلك. وهذه هي ذاتك الروحية التي لاتعرف سوى الحب لان خبرتها كلها قائمة على الحب فقط. اما الذات المادية فهي التي تحجب ذلك الحب عبر الغضب والخوف والغرور الذاتي وعدم الاحساس بالأمان وفقدان الثقة بالاخرين.
فهذه الصفات مهما كانت منتشرة بين الناس الا انها تبقى مؤقته لانها تنمو مع الوقت وتأتي بالتعلم. اما الذات الروحية فهي تعيش بأمان وسلام. فعندما تتفاعل مع اي شخص آخر تكون حرا بالاحساس بأي شيء من الكراهية العميقة الى الحب العميق وقد تشعر بالنفور او الانجذاب ويمكنك ان تشعره برفضك له او قبولك له ولكن على مستوى ذاتك دائما ما تلتقي بالحب مع شخص اخر. والشخص الذي تحبه يعكس نصيبك من الحب الكوني واذا تعلمت كيف تنظر بعمق كاف فسوف تكتشف بأن حقيقتك ماهي الا حب فقط.
سر الانجذاب
كل كائن حي قادر على التكاثر مع كائن آخر من جنسه يشعر بالانجذاب نحوه ولكن البشر كائنات فريده من حيث اننا ندرك المعنى الكامن ف انجذابنا ولذلك هناك فرق كبير بين الوقوع في الحب بدون وعي كما لو ان المرء ضربته صاعقه رعدية وتقبل الحب بوعي وادراك كاملين بأن هذا هو الذي تتعطش روحك له وتعيش له وتعطيه الأولوية على كل شيء آخر في حياتك.
فالحب من الامور الطبيعية للحياة ولكن بمجرد ان تنهمك في النشاطات الفوضوية للحياة اليومية يصير الاحساس بالحب مبهما. ولكن في ظل الفوضى نواصل السعي لاكتشاف الاحساس بالحب مجددا. وتكون كل المتع الاخرى اقل ومجرد قطرات بالمقارنة بسحر متعة الحب. وعليه فان الحب اكبر من مجرد احساس فقط لانه حالة نعيم كل شيء فيها محبوب.
ان تعطشنا للعودة الى حالة النعيم المفقودة هي احد الاسباب التي تجعل الحب ليس وليد الصدفة ابدا. فكلنا لدينا معرفة في عقلنا الباطني ما الذي يستطيع ا لحب ان يفعله في حالتنا النفسية. فالشخص المعزول والذي يشعر بالاحباطاتو الوحدة، يتغير فجأة، من دون اي سبب منطقي لتفسير ذلك التحول. كأن الاحساس بالقلق والشك والخوف يجسد الاحساس بالنشوة والثقة بالنفس والاقبال على الحياة بحماس.
التفتيش القلق
يعتمد الانجذاب على عثورك على شخص لتحبة اوعثور ذلك الشخص عليك، وهنا تبدأ المصاعب ويبدو ان المجتمع كله بات مهووسا بعملية تفتيش قلقة عن علاقة ما. فرغم اننا محاصرون بطوفان من صور الجذب الرومانسي الا ان الانجذاب الحقيقي يبدو غامضا جدا. وكلما اصبحت المسلسلات التليفزيونية والافلام تكدس اطنانا اكثر من سحر الاغراء كلما اصبح فهم الناس لماهية الحب اكثر غموضا.
ان مجرد معرفتنا النظرية بأوصاف الاحساس بالوقوع في الحب لا يكفي لتبديد الاحساس بالخوف من ان الحب لن يصل ابدا وبأن هناك شيئا غير صحيح فينا وبالتالي لانستحق هذه النعمة المسماة «الوقوع في الحب».
ان البحث عن الحب يكون مدفوعا بفضل قوانين سايكولوجيين: تخيل رومانسية مثالية والخوف من الفشل نهائيا ان نكون محبوبين. وهاتان القوتان تبددان بعضهما البعض. فكلما تمسك المرء بالصورة الخيالية للرومانسية المثالية كلما اصبح العثور على الرومانسية الحقيقية اكثر صعوبة. فالحب الحقيقي يبدأ في التفاعلات الانسانية اليومية العادية والتي تشكل بذوراً واعدة بالنمو الى ان تصبح احساسا كاملا بالنشوة الرومانسية. ولكن هذه البذور كثيرا ما يتم تجاهلها لان التركيز مسلط فقط على الصور الراسخة في الاذهان والتي لا وجود لها في ارض الواقع
|