المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 25-10-2011, 09:19 PM   #811
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 26

(قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحداً "26")
الأسلوب في قوله تعالى:

{أبصر به وأسمع .. "26"}
(سورة الكهف)


وأسلوب تعجب أي: ما أشد بصره، وما أشد سمعه؛ لأنه البصر والسمع المستوعب لكل شيء بلا قانون. وقوله:

{ما لهم من دونه من وليٍ ولا يشرك في حكمه أحداً "26"}
(سورة الكهف)


كأن الحق سبحانه وتعالى يطمئن عباده بأن كلامه حق لا يتغير ولا يتبدل؛ لأنه سبحانه واحد أحد لا شريك له يمكن أن يغير كلامه. ثم يقول الحق سبحانه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.


 

قديم 25-10-2011, 09:19 PM   #812
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 27

(واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحداً "27")
أي بعد هذه الأسئلة التي سألك كفار مكة إياها، وأخبرك الله بها فأجبتهم، اعلم أن لك رباً رفيقاً بك، لا يتخلى عنك ولا يتركك لكيدهم، فإن أرادوا أن يصنعوا لك مأزقاً أخرجك الله منه، وإياك أن تظن أن العقبات التي يقيمها خصومك ستؤثر في أمر دعوتك.
وإن أبطأت نصرة الله لك فاعلم أن الله يريد أن يمحص جنود الحق الذين يحملون الرسالة إلى أن تقوم الساعة، فلا يبقى في ساحة الإيمان إلا الأقوياء الناضجون، فالأحداث والشدائد التي تمر بطريق الدعوة إنما لتغربل أهل الإيمان حتى لا يصمد فيها إلا من هو مأمون على حمل هذه العقيدة. وقوله:

{لا مبدل لكلماته .. "27"}
(سورة الكهف)


لأن كلمات الله لا يستطيع أحد أن يبدلها إلا أن يكون معه سبحانه إله آخر، فمادام هو سبحانه إلهاً واحداً لا شريك له، فاعلم أن قوله الحق الذي لا يبدل ولا يغير:

{ولن تجد من دون ملتحداً "27"}
(سورة الكهف)


أي: ملجأ تذهب إليه؛ لأن حسبك الله وهو نعم الوكيل، كما قال تعالى:

{أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون "51"}
(سورة العنكبوت)



 

قديم 25-10-2011, 09:19 PM   #813
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 28

(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً "28")
نزلت هذه الآية في "أهل الصفة" وهم جماعة من أهل الله انقطعوا للعبادة فتناولتهم ألسنة الناس واعترضوا عليهم، لماذا لا يعلمون؟ ولماذا لا يشتغلون كباقي الناس؟ بل وذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: نريد أن تلتفت إلينا، وأن تترك هؤلاء المجاذيب، فأنزل الله تعالى:

{واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم .. "28"}
(سورة الكهف)


لذلك علينا حينما نرى مثل هؤلاء الذين نسميهم المجاذيب الذين انقطعوا لعبادة الله أن لا نحتقرهم، ولا نقلل من شأنهم أو نتهمهم؛ لأن الله تعالى جعلهم موازين للتكامل في الكون، ذلك أن صاحب الدنيا الذي انغمس فيها وعاش لها وباع دينه من أجل دنياه حينما يرى هذا العابد قد نفض يديه من الدنيا، وألقاها وراء ظهره، وراح يستند إلى حائط المسجد ممدداً رجلاً، لا تعنيه أمور الدنيا بما فيها.
ومن العجيب أن صاحب الدنيا هذا العظيم صاحب الجاه تراه إن أصابه مكروه أو نزلت به نازلة يهرع إلى هذا الشيخ يقبل يديه ويطلب منه الدعاء، وكأن الخالق سبحانه جعل هؤلاء المجاذيب ليرد بهم جماح أهل الدنيا المنهمكين في دوامتها المغرورين بزهرتها.
وأيضاً، كثيراً ما ترى أهل الدنيا في خدمة هؤلاء العباد، ففي يوم من الأيام قمنا لصلاة المغرب في مسجد سيدنا الحسين، وكان معنا رجل كبير من رجال الاقتصاد، فإذا به يخرج مبلغاً من المال ويطلب من العامل صرفه إلى جنيهات، فأتى العامل بالمبلغ في صورة جنيهات من الحجم الصغير، فإذا برجل الاقتصاد الكبير يقول له: لا، لابد من جنيهات من الحجم الكبير؛ لأن فلاناً المجذوب على باب الحسين لا يأخذ إلا بالجنية الكبير، فقلت في نفسي: سبحان الله مجذوب على باب المسجد وشغل اكبر رجل اقتصاد في مصر، ويحرص الرجل على إرضائه ويعطيه ما يريد.
ثم يقول تعالى:

{ولا تعد عيناك عنهم .. "28"}
(سورة الكهف)


أي: اجعل عينيك فيهم، ولا تصرفها عنهم إلى غيرهم من أهل الدنيا؛ لأن مدد النظرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد للمؤمن

{تريد زينة الحياة الدنيا .. "28"}
(سورة الكهف)


لأنك إن فعلت ذلك وانصرفت عنهم، فكأنك تريد زينة الحياة الدنيا وزخارفها.
وفي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بملازمة أهل الصفة وعدم الانصراف عنهم إلى أهل الدنيا ما يقوي هؤلاء النفر من أهل الإيمان الذين جعلوا دينهم وشاغلهم الشاغل عبادة الله والتقرب إليه.
لكن، هل المطلوب أن يكون الناس جميعاً كأهل الصفة منقطعين للعبادة؟ بالطبع لا، فالحق سبحانه وتعالى جعلهم بين الناس قلة، في كل بلد واحد أو اثنان ليكونوا أسوة تذكر الناس وتكبح جماح تطلعاتهم إلى الدنيا.
ومن العجيب أن ترى البعض يدعي حال هؤلاء، ويوهم الناس أنه مجذوب، وأنه ولي نصباً واحتيالاً، والشيء لا يدعي إلا إذا كانت من ورائه فائدة، كالذي يدعي الطب أو يدعي العلم لما رأى من ميزات الطبيب والعالم. فلما رأى البعض حال هؤلاء المجاذيب، وكيف أنهم عزفوا عن الدنيا فجاءت إليهم تدق أبوابهم، وسعى إليهم أهلها بخيراتها، فضلاً عما لهم من مكانة ومنزلة في النفس ومحبة في القلوب.
فلماذا ـ إذن ـ لا يدعون هذه الحال؟ ولماذا لا ينعمون بكل هذه الخيرات دون أدنى مجهود؟ وما أفسد على هؤلاء العباد حالهم، وما خاض الناس في سيرتهم إلا بسبب هذه الطبقة الدخيلة المدعية التي استمرأت حياة الكسل والهوان.
ثم يقول تعالى:

{ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا .. "28"}
(سورة الكهف)


لأنه لا يأمرك بالانصراف عن هؤلاء والالتفات إلى أهل الدنيا إلا من غفل عن ذكر الله، أما من اطمأن قلبه إلى ذكرنا وذاق حلاوة الإيمان فإنه لا يأمر بمثل هذا الأمر، بل هو أقرب ما يكون إلى هؤلاء المجاذيب الأولياء من أهل الصفة، بل وربما تراوده نفسه أن يكون مثلهم، فكيف يأمر بالانصراف عنهم؟

<وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم الموقف من الدنيا في قوله: "أوحى الله إلى الدنيا: من خدمني فاخدميه، ومن خدمك فاستخدميه ..">

فالدنيا بأهلها في خدمة المؤمن الذي يعمر الإيمان قلبه، وليس في باله إلا الله في كل ما يأتي أو يدع. وقوله تعالى:

{واتبع هواه .. "28"}
(سورة الكهف)


أي: أن هذا الذي يحرضك على أهل الصفة ما غفل قلبه عن ذكرنا إلا لأنه سار خلف هواه، فأخذه هواه وألهاه عن ذكر الله، فمادام قد انشغل بشيء يوافق هواه فلن يهتم بمطلوب الله، إنه مشغول بمطلوب نفسه؛

<لذلك يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به">

فالمؤمن الحق سليم الإيمان من كان هواه ورغبته موافقة لمنهج الله، لا يحيد عنه، وقد قال الحق سبحانه وتعالى:

{ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض .. "71"}
(سورة المؤمنون)


وقوله تعالى:

{وكان أمره فرطاً "28"}
(سورة الكهف)


 

قديم 25-10-2011, 09:20 PM   #814
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 29

(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاً "29")
قوله تعالى:

{وقل الحق من ربكم .. "29"}
(سورة الكهف)


أي: قل الحق جاء من ربكم، واختار كلمة الرب ولم يقل من الله، لأن الكل معتقد أن الرب هو الذي خلق، كما في قوله تعالى:

{ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون "87"}
(سورة الزخرف)


وقوله:

{ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله .. "25"}
(سورة لقمان)


فمعنى:

{من ربكم .. "29"}
(سورة الكهف)


أي: بإقراركم أنتم، فالذي خلقكم ورباكم وتعهدكم هو الذي نزل لكم هذا الحق و

? ربكم .. "29"? سورة الكهف
{ }
(سورة الكهف)


أي: ليس ربي وحدي، بل ربكم ورب الناس جميعاً.
والحق: هو الشيء الثابت، ومادام من الله فلن يغيره أحد؛ لأن الذي يتغير كلامه هو الذي يقضي شيئاً ويجهل شيئاً مقبلاً، وبعد ذلك يعدل، فالحق من الله لأنه سبحانه لا يخفي عليه شيء ولا يعزب عن عمله شيء، لذلك لا استدراك على حكم من أحكامه من أحد من خلقه.
فالربوبية عطاء، فربك الذي خلقك وأمدك بالنعم، وهو الذي يربيك كما يربي الوالد ولده؛ لذلك لم يعترض على الربوبية أحد، أما الألوهية فمطلوبها تكليف: افعل كذا، ولا تفعل كذا، فخاطبهم بالربوبية التي فيها مصلحتهم، ولم يخاطبهم بالألوهية التي تقيد اختياراتهم والإنسان بطبعه لا يميل إلى ما يقيد اختياراته؛ لذلك يلجأون إلى عبادة آلهة أخرى؛ لأنها ليس لها مطلوبات.
فالذي يعبد الشمس أو الصنم أو غيره: بماذا أمرك معبودك؟ وعما نهاك؟ فما العبادة إلا طاعة عابد لمعبود، إذن: فلهم أن يقولوا: نعم هذا الإله، ونعم هذا الدين؛ لأنه يتركني بحريتي افعل ما أريد.
لذلك؛ نجد الذين يدعون ألوهية، أو يدعون نبوة دائماً يميلون إلى تخفيف المناهج؛ لأنهم يعلمون أن المناهج السماوية تصعب على الناس؛ لأن فيها حجراً على حرية حركتهم وحرية اختياراتهم، فلما ادعى مسيلمة النبوة رأى الناس تتبرم من الزكاة فأسقطها عنهم، وكذلك لما ادعت سجاح النبوة خفف الصلاة، وإلا، فكيف سيجمعون الناس من حولهم؟
وما أشبه مدعي الأمس بمدعي اليوم الذين يبيعون الدين بعرض من الدنيا، فيفتون الناس بتحليل ما حرم الله، مثل الاختلاط وغيره من القضايا حتى هان أمر الدين على الناس. والدين وإن كان فطرياً في النفس الإنسانية إلا أن الإنسان يميل إلى من يخفف عنه، وتعجب حين ترى بعض المثقفين وحملة الشهادات يذهبون إلى الدجالين ويصدقونهم، وترى الواحد منهم يكذب نفسه أنه على دين يريحه، ويفعل في ظله ما يريد.
إذن: مادمتم مؤمنين بربوبية خلق وربوبية إمداد وإنعام، فعليكم أن تؤمنوا بما جاء من ربكم، كما نقول في المثل: (اللي يأكل لقمتي يسمع كلمتي)، ومع ذلك ورغم فضل الله ونعمه عليهم قل لهم: لا جبر في الإيمان

{فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .. "29"}
(سورة الكهف)


لأن منفعة الإيمان عائدة عليكم أنتم.


 

قديم 25-10-2011, 09:20 PM   #815
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 30

(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً "30")
وهنا نلاحظ أن الحق سبحانه عطف على الإيمان العمل الصالح؛ لأن الإيمان هو العقيدة التي ينبع عن أصلها السلوك، فلا جدوى من الإيمان بلا عمل بمقتضى هذا الإيمان، وفائدة الإيمان أن توثق الأمر أو النهي إلى الله الذي آمنت به؛ لذلك جاء الجمع بين الإيمان والعمل الصالح في مواضع عدة من كتاب الله، منها قوله تعالى:

{والعصر "1" إن الإنسان لفي خسر "2" إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر "3"}
(سورة العصر)


ذلك لأن المؤمنين إذا ما أثمر فيهم الإيمان العمل الصالح فإنهم سيتعرضون ولابد لكثير من المتاعب والمشاق التي تحتاج إلى التواصي بالصبر والتواصي بالحق، ولنا أسوة في هذه المسألة بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تحملوا عبء الدعوة وصبروا على الأذى في سبيل إيمانهم بالله تعالى.
ثم يقول تعالى:

{إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً "30"}
(سورة الكهف)


نلاحظ أن (من) هنا عامة للمؤمن والكافر؛ لذلك لم يقل سبحانه: إنا لا نضيع أجر من احسن الإيمان؛ لأن العامل الذي يحسن العمل قد يكون كافراً، ومع ذلك لا يبخسه الله تعالى حقه، بل يعطيه حظه من الجزاء في الدنيا.
فالكافر إن اجتهد واحسن في علم أو زراعة أو تجارة لا يحرم ثمرة عمله واجتهاده، لكنها تعجل له في الدنيا وتنتهي المسألة حيث لا حظ له في الآخرة. ويقول تبارك وتعالى:

{وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً "23"}
(سورة الفرقان)


ويقول تعالى:

{من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحوراً "18"}
(سورة الإسراء)


ويقول تعالى:

{والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب "39"}
(سورة النور)


فهؤلاء قد استوفوا أجورهم، وأخذوا حظهم في الدنيا ألواناً من النعيم والمدح والثناء، وخلدت ذكراهم، وأقيمت لهم التماثيل والاحتفالات؛ لذلك يأتي في الآخرة فلا يجد إلا الحسرة والندامة حيث فوجئ بوجود إله لم يكن يؤمن به، والإنسان إنما يطلب أجره ممن عمل من أجله، وهؤلاء ما عملوا لله بل للإنسانية وللمجتمع وللشهرة وقد نالوا هذا كله في الدنيا، ولم يبق لهم شيء في الآخرة.


 

قديم 25-10-2011, 09:20 PM   #816
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 31

(أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقاً "31")
(أولئك) أي: الذين آمنوا وعملوا الصالحات

{لهم جنات عدنٍ "31"}
(سورة الكهف)


الجنات رأينا منها صورة في الدنيا، وتطلق إطلاقاً شرعياً وإطلاقاً لغوياً. أما الشرعي: فهو الذي نعرفه من أنها الدار التي أعدها الله تعالى لثواب المؤمنين في الآخرة. أما المعنى اللغوي: فهي المكان الذي فيه زرع وثمار وأشجار تواري من سار فيها وتستره؛ ومادة الجيم والنون تدور كلها حول الاستتار والاختفاء فالجنون استتار العقل والجن مخلوقات لا ترى والجنة بالضم الدرع يستر الجسم عن المهاجم .. الخ.
وقلنا: إن الحق سبحانه حينما يحدثنا عن شيء غيبي يحدثنا بما يوجد في لغتنا من ألفاظ، واللغة التي نتكلم بها، يوجد المعنى أولاً ثم يوجد اللفظ الدال عليه، فإذا عرفنا أن هذا اللفظ موضوع لهذا المعنى، فإن نطق اللفظ نفهم معناه. فإذا كانت الأشياء التي يحدثنا الله عنها غيباً

<كما قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر">

إذن: فمن أين نأتي بالألفاظ الدالة على هذه المعاني ونحن لم نعرفها؟ لذلك يعبر عنها الحق سبحانه بالشبيه لها في لغتنا، لكن يعطيها الوصف الذي يميزها عن جنة الدنيا، كما جاء في قوله تعالى:

{مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماءٍ غير آسنٍ .. "15"}
(سورة محمد)


ونحن نعرف النهر، ونعرف الماء، لكن يأتي قوله: (غير آسن) ليميز ماء الدنيا، وكذلك في:

{أنهار من خمرٍ لذةٍ للشاربين .. "15"}
(سورة محمد)


فالخمر في الدنيا معروفة؛ لكنها ليست لذة لشاربها، فشاربها يبتلعها بسرعة؛ لأنه لا يستسيغ لها طعماً أو رائحة، كما تشرب مثلاً كوباً من العصير رشفة لتلتذ بطعمه وتتمتع به، كما أن خمر الدنيا تغتال العقول على خلاف خمر الآخرة؛ لذلك لما أعطاها اسم الخمر لنعرفها ميزها بأنها لذة، وخمر الدنيا ليست كذلك؛ لأن لغتنا لا يوجد بها الأشياء التي سيخلقها الله لنا في الجنة، فبها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، والعين إدراكاتها أقل من إدراكات الأذن؛ لأن العين تعطيك المشهد الذي رأيته فحسب، أما الأذن فتعطيك المشهد الذي رأيته والذي رآه غيرك، ثم يقول: "ولا خطر على قلب بشر" فوسع دائرة ما في الجنة، مما لا نستطيع إدراكه. وكذلك في قوله تعالى:

{وأنهار من عسلٍ مصفى .. "15"}
(سورة محمد)


 

قديم 25-10-2011, 09:20 PM   #817
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 32

(واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً "32")
ومازال الكلام موصولاً بالقوم الذين أرادوا أن يصرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وبذلك انقسم الناس إلى قسمين: قسم متكبر حريص على جاهه وسلطانه، وقسم ضعيف مستكين لا جاه له ولا سلطان، لكن الحق سبحانه يريد استطراق آياته استطراقاً يشمل الجميع، ويسوي بينهم.
لذلك؛ أراد الحق سبحانه وتعالى أن يضرب لنا مثلاً موجوداً في الحياة، ففي الناس الكافر الغني والمؤمن الفقير، وعليك أن تتأمل موقف كل منهما. قوله تعالى:

{واضرب لهم مثلاً رجلين .. "32"}
(سورة الكهف)


قلنا: إن الضرب معناه أن تلمس شيئاً بشيء أقوى منه بقوة تؤلمه، ولابد أن يكون الضارب أقوى من المضروب، إلا فلو ضربت بيدك شيئاً أقوى منك فقد ضربت نفسك، ومن ذلك قول الشاعر:
ويا ضارباً بعصاه الحجر ضربت العصا أم ضربت الحجر؟
وضرب المثل يكون لإثارة الانتباه والإحساس، فيخرجك من حالة إلى أخرى، كذلك المثل: الشيء الغامض الذي لا تفهمه ولا تعيه، فيضرب الحق سبحانه له مثلاً يوضحه وينبهك إليه؛ لذلك قال:

{واضرب لهم مثلاً رجلين .. "32"}
(سورة الكهف)


وسبق أن أوضحنا أن الأمثال كلام من كلام العرب، يريد في معنى من المعاني، ثم يشيع على الألسنة، فيصير مثلاً سائراً، كما نقول: جود حاتم، وتقابل أي جواد فتناديه: يا حاتم، فلما اشتهر حاتم بالجود أطلقت عليه هذه الصفة. وعمرو بن معد أشتهر بالشجاعة والإقدام، وإياس اشتهر بالذكاء، وأحنف بن قيس اشتهر بالحلم. لذلك قال أبو تمام في مدح الخليفة:
إقدام عمروٍ في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس
فأراد خصوم أبي تمام أن يحقروا قوله، وأن يسقطوه من عين الخليفة، فقالوا له: إن الخليفة فوق من وصفت، وكيف تشبه الخليفة بهؤلاء وفي جيشه ألف كعمرو، وفي خزانه ألف كحاتم فكيف تشبهه بأجلاف العرب؟ كما قال أحدهم: ـ
وشبهه المــداح في البـاس والغنى بمن لو رآه كان أصغر خادمٍ
في جيشه خمسون ألفاً كعنتر وفي خزانه ألف حاتم
فألهمه الله الرد عليهم، وعلى نفس الوزن ونفس القافية، فقال:
لا تنكروا ضربي له من دونه مثلاً شروداً في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره مثلاً من المشكاة والنبراس
إذن: فالمثل يأتي لينبه الناس، وليوضح القضية غير المفهومة، والحق تبارك وتعالى قال:

{إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها .. "26" }
(سورة البقرة)


ثم يعطينا القرآن الكريم أمثالاً كثيرة لتوضيح قضايا معينة، كما في قوله تعالى:

{مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون "41"}
(سورة العنكبوت)


وكذا قوله تعالى عن نقض الوعد وعدم الوفاء به:

{ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً .. "92"}
(سورة النحل)


 

قديم 25-10-2011, 09:21 PM   #818
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 33

(كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهراً "33")
أي: أعطت الثمرة المطلوبة منها، والأكل: هو ما يؤكل، ونعرف أن الزراعات تتلاحق ثمارها فتعطيك شيئاً اليوم، وشيئاً غداً، وشيئاً بعد غد وهكذا.

{ولم تظلم منه شيئاً .. "33"}
(سورة الكهف)


كلمة (تظلم) تعطينا إشارة إلى عمل الخير في الدنيا، فالأرض وهي جماد لا تظلم، ولا تمنعك حقاً، ولا تهدر لك تعباً، فإن أعطيتها جهدك وعملك جادت عليك، تبذر فيها كيلة تعطيك إردباً، وتضع فيها البذرة الواحدة فتغل عليك الآلاف.
إذن: فهي كريمة جوادة شريطة أن تعمل ما عليك من حرثٍ وبذر ورعاية وسقيا، وقد تريحك السماء، فتسقى لك. لذلك، لما أراد الحق سبحانه أن يضرب لنا المثل في مضاعفة الأجر، قال:

{مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبةٍ .. "261"}
(سورة البقرة)


فإذا كانت الأرض تعطيك بالحبة سبعمائة حبة، فما بالك بخالق الأرض؟ لاشك أن عطاءه سيكون أعظم؛ لذلك قال بعدها:

{والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم "261"}
(سورة البقرة)


إذن: فالأرض لا تظلم، ومن عدل الأرض أن تعطيك على قدر تعبك وكدك فيها، والحق سبحانه أيضاً يقدر لك هذا التعب، ويشكر لك هذا المجهود،

<والنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى أحد الصحابة وقد تشققت يداه من العمل قال: "هذه يد يحبها الله ورسوله">

يحبها الله ورسوله؛ لأنها تعبت وعملت لا على قدر حاجتها، بل على أكثر من حاجتها، عملت لها وللآخرين، وإلا لو عمل كل عامل على قدر حاجته، فكيف يعيش الذي لا يقدر على العمل؟
إذن: فعلى أصحاب القدرة والطاقة أن يعملوا لما يكفيهم، ويكفي العاجزين عن العمل، وهب أنك لن تتصدق بشيء للمحتاج، لكنك ستبيع الفائض عنك، وهذا في حد ذاته نوع من التيسير على الناس والتعاون معهم.
وما أشبه الأرض في عطائها وسخائها بالأم التي تجزل لك العطاء إن بررت بها، وكذلك الأرض، بل إن الأم بطبيعتها قد تعطيك دون مقابل وتحنو عليك وإن كنت جاحداً، وكذلك الأرض ألا تراها تخرج لك من النبات ما لم تزرعه أو تتعب فيه؟ فكيف إذا أنت أكرمتها بالبر؟ لاشك ستزيد لك العطاء.
والحقيقة أن الأرض ليست أمنا على وجه التشبيه، بل هي أمنا على وجه الحقيقة؛ لأننا من ترابها وجزء منها، فالإنسان إذا مرض مثلاً يصير ثقيلاً على كل الناس لا تتحمله وتحنو عليه وتزيل عنه الأذى مثل أمه، وكذلك إن مات وصار جيفة يأنف منه كل أخر محب وكل قريب، في حين تحتضنه الأرض، وتمتص كل ما فيه، وتستره في يوم هو أحوج ما يكون إلى الستر. ثم يقول تعالى:

{وفجرنا خلالهما نهراً "33"}
(سورة الكهف)


 

قديم 25-10-2011, 09:21 PM   #819
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 34

(وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفراً "34")
أي: لم يقتصر الأمر على أن كان له جنتان فيهما النخيل والأعناب والزرع الذي يؤتي أكله، بل كان له فوق ذلك ثمر أي: موارد أخرى من ذهب وفضة وأولاد؛ لأن الولد ثمرة أبيه، وسوف يقول لأخيه بعد قليل: أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً. ثم تدور بينهما هذه المحاورة:

{فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً "34"}
(سورة الكهف)


دليل على أن ما تقدم ذكره من أمر الجنتين وما فيهما من نعم دعته إلى الاستعلاء هو سبب القول (لصاحبه)، والصاحب هو: من يصاحبك ولو لم تكن تحبه (يحاوره) أي: يجادله بأن يقول أحدهما فيرد عليه الآخر حتى يصلوا إلى نتيجة. فماذا قال صاحبه؟ قال:

{أنا أكثر منك مالاً .. "34"}
(سورة الكهف)


يقصد الجنتين وما فيهما من نعم

{وأعز نفراً "34"}
(سورة الكهف)


داخلة في قوله:

{وكان له ثمر .. "34"}
(سورة الكهف)



 

قديم 25-10-2011, 09:21 PM   #820
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 35

(ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً"35")
عرفنا أنهما جنتان، فلماذا قال:

{ودخل جنته .. "35"}
(سورة الكهف)


نقول: لأن الإنسان إن كان له جنتان فلن يدخلهما معاً في وقت واحد، بل حال دخوله سوف يواجه جنة واحدة، ثم بعد ذلك يدخل الأخرى. وقوله:

{وهو ظالم لنفسه .. "35"}
(سورة الكهف)


قد يظلم الإنسان غيره، لكن كيف يظلم نفسه هو؟ يظلم الإنسان نفسه حينما يرخي لها عنان الشهوات، فيحرمها من مشتهيات أخرى، ويفوت عليها ما هو أبقى وأعظم، وظلم الإنسان يقع على نفسه؛ لأن النفس لها جانبان: نفس تشتهي، ووجدان يردع بالفطرة.
فالمسألة ـ إذن ـ جدل بين هذه العناصر؛ لذلك يقولون: أعدي أعداء الإنسان نفسه التي بين جنبته، فإن قلت: كيف وأنا ونفسي شيء واحد؟ لو تأملت لوجدت أنك ساعة تحدث نفسك بشيء ثم تلوم نفسك عليه؛ لأن بداخلك شخصيتين: شخصية فطرية، وشخصية أخرى استحوازية شهوانية، فإن مالت النفس الشهوانية أو انحرفت قومتها النفس الفطرية وعدلت من سلوكها.
لذلك قلنا: إن المنهج الإلهي في جميع الديانات كان إذا عمت المعصية في الناس، ولم يعد هناك من ينصح ويرشد أنزل الله فيهم رسولاً يرشدهم ويذكرهم، إلا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سبحان حملهم رسالة نبيهم، وجعل هدايتهم بأيديهم، وأخرج منهم من يحملون راية الدعوة إلى الله؛ لذلك لن يحتاجوا إلى رسول آخر وكان صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والرسل.
وكأنه سبحانه يطمئننا إلى أن الفساد لن يعم، فإن وجد من بين هذه الأمة العاصون، ففيها أيضاً الطائعون الذين يحملون راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه مسألة ضرورية، وأساس يقوم عليه المجتمع الإسلامي. ثم يقول تعالى:

{قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً "35"}
(سورة الكهف)



 

قديم 25-10-2011, 09:22 PM   #821
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 36

(وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلباً "36")
هكذا أطلق لغروره العنان، وإن قبلت منه:

{ما أظن أن تبيد هذه أبداً "35"}
(سورة الكهف)


فلا يقبل منه

{وما أظن الساعة قائمة .. "36"}
(سورة الكهف)


لذلك ما أنكر قيام الساعة هزته الأوامر الوجدانية، فاستدرك قائلا:

{ولئن رددت إلى ربي .. "36"}
(سورة الكهف)


أي: على كل حال إن رددت إلى ربي في القيامة، فسوف يكون لي أكثر من هذا وأعظم وكأنه ضمن أن الله تعالى أعد له ما هو افضل من هذا. ونقف لنتأمل قول هذا الجاحد المستعلي بنعمة الله عليه المفتون بها:

{ولئن رددت إلى ربي .. "36"}
(سورة الكهف)


حيث يعرف أن له رباً سيرجع إليه، فإن كنت كذوباً فكن ذكوراً، لا تناقض نفسك، فما حدث منك من استعلاء وغرور وشك في قيام الساعة يتنافى وقولك (ربي) ولا يناسبه.


 

قديم 25-10-2011, 09:22 PM   #822
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 37

(قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً"37")
هنا يرد عليه صاحبه المؤمن محاوراً ومجادلاً ليجلي له وجه الصواب:

{أكفرت بالذي خلقك من ترابٍ .. "37"}
(سورة الكهف)


أي: كلامك السابق أنا أنا، وما أنت فيه من استعلاء وإنكار، أتذكر هذا كله ولا تذكر بدايتك ومنشأك من تراب الذي هو أصل خلقك

{ثم من نطفةٍ .. "37"}
(سورة الكهف)


وهي أصل التناسل

{ثم سواك رجلاً "37"}
(سورة الكهف)


أي: كاملاً مستوياً (ملو هدومك). و

{سواك .. "37"}
(سورة الكهف)


التسوية: هي إعداد الشيء إعداد الشيء إعداداً يناسب مهمته في الحياة، وقلنا: إن العود الحديد السوي مستقيم، والخطاف في نهايته أعوج، والاعوجاج في الخطاف هو عين استقامته واستواء مهمته؛ لأن مهمته أن نخطف به الشيء، ولو كان الخطاف هذا مستقيماً لما أدى مهمته المرادة. والهزة في

{أكفرت .. "37"}
(سورة الكهف)


ليست للاستفهام، بل هي استنكار لما يقوله صاحبه، وما بدر منه من كفر ونسيان لحقيقة أمره وبداية خلقه.
والتراب هو أصل الإنسان، وهو أيضاً مرحلة من مراحل خلقه؛ لأن الله تعالى ذكر في خلق الإنسان مرة (من ماء) ومرة (من تراب) ومرة (من حمأ مسنون) ومرة (من صلصال كالفخار).


 

قديم 25-10-2011, 09:22 PM   #823
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 38

(لكن هو الله ربي ولا أشرك بربي أحداً "38")
قوله:

{لكنا .. "38"}
(سورة الكهف)


أي: أنا، فحذفت الهمزة وأدغمت النون في النون. ولكن للاستدراك، المؤمن يستدرك على ما قاله صاحبه: أنا لست مثلك فيما تذهب إليه، فإن كنت قد كفرت بالذي خلقك من تراب، ثم من نطفة. ثم سواك رجلاً، فأنا لم أكفر بمن خلقني، فقولي واعتقادي الذي أومن به:

{هو الله ربي .. "38"}
(سورة الكهف)


وتلاحظ أن الكافر لم يقل: الله ربي، إنما جاءت ربي على لسانه في معرض الحديث، والفرق كبير بين القولين؛ لأن الرب هو الخالق المتولي للتربية، وهذا أمر لا يشك فيه أحد، ولا اعتراض عليه، إنما الشك في الإله المعبود المطاع، فالربوبية عطاء، ولكن الألوهية تكليف؛ لذلك اعترف الكافر بالربوبية، وأنكر الألوهية والتكليف.
ثم يؤكد المؤمن إيمانه فيقول:

{ولا أشرك بربي أحداً "38"}
(سورة الكهف)


ولم يكتف المؤمن بأن أبان لصاحبه ما هو فيه من الكفر، بل أراد أن يعدي إيمانه إلى الغير، فهذه طبيعة المؤمن أن يكون حريصاً على هداية غيره، لذلك بعد أن أوضح إيمانه بالله تعالى أراد أن يعلم صاحبه كيف يكون مؤمناً، ولا يكمل إيمان المؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأيضاً من العقل للمؤمن أن يحاول أن يهدي الكافر؛ لأن المؤمن صحيح سلوكه بالنسبة للآخرين، ومن الخير للمؤمن أيضاً أن يصحح سلوك الكافر بالإيمان.


 

قديم 25-10-2011, 09:23 PM   #824
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 39

(ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولداً"39")
يريد أن يعلمه سبيل الإيمان في استقبال النعمة، بأن يرد النعم إلى المنعم؛ لأن النعمة التي يتقلب فيها الإنسان لا فضل له فيها، فكلها موهوبة من الله، فهذه الحدائق والبساتين كيف آتت أكلها؟ إنها الأرض التي خلقها الله لك، وعندما حرثتها حرثتها بآلة من الخشب أو الحديد، وهو موهوب من الله لا دخل لك فيه، والقوة التي أعانتك على العمل موهوبة لك يمكن أن تسلب منك في أي وقت، فتصير ضعيفاً لا تقدر على شيء.
إذن: حينما تنظر إلى كل هذه المسائل تجدها منتهية إلى العطاء الأعلى من الله سبحانه. خذ هذا المقعد الذي تجلس عليه مستريحاً وهو في غاية الأناقة وإبداع الصنعة، من أين أتى الصناع بمادته؟ لو تتبعت هذا لوجدته قطعة خشب من إحدى الغابات، ولو سألت الغابة: من أين لك هذا الخشب لأجابتك من الله.
لذلك يعلمنا الحق سبحانه وتعالى الأدب في نعمته علينا، بقوله:

{أفرأيتم ما تحرثون "63" أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون "64"}
(سورة الواقعة)


هذه الحبة التي بذرتها في حقلك، هل جلست بجوارها تنميها وتشدها من الأرض، فتنمو معك يوماً بعد يوم؟ إن كل عملك فيها أن تحرث الأرض وتبذر البذور، حتى عملية الحرث سخر الله لك فيها البهائم لتقوم بهذه العملية، وما كان بوسعك أن تطوعها لهذا العمل لولا أن سخرها الله لك، وذللها لخدمتك، كما قال تعالى:

{وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون "72"}
(سورة يس)


ما استطعت أنت تسخيرها.
إذن: لو حللت أي نعمة من النعم التي لك فيها عمل لوجدت أن نصيبك فيها راجع إلى الله، وموهوب منه سبحانه. وحتى بعد أن ينمو الزرع ويزهر أو يثمر لا تأمن أن تأتيه آفة أو تحل به جائحة فتهلكه؛ لذلك يقول تعالى بعدها:

{لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون "65" إنا لمغرمون "66" بل نحن محرومون"67"}
(سورة الواقعة)


كما يقول تعالى:

{إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين "17" ولا يستثنون "18" فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون "19" فأصبحت كالصريم"20"}
(سورة القلم)


وكذلك في قوله تعالى:

{أفرأيتم الماء الذي تشربون "68" أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون "69"}
(سورة الواقعة)


هذا الماء الذي تشربونه عذباً زلالاً، هل تعرفون كيف نزل؟ هل رأيتم بخار الماء الصاعد إلى الجو؟ وكيف ينعقد سحاباً تسوقه الريح؟ هل دريتم بهذه العملية؟

{لو نشاء جعلناه أجاجاً .. "70"}
(سورة الواقعة)


أي: ملحاً شديداً لا تنتفعون به.
فحينما يمتن الله على عبيده بأي نعمة يذكرهم بما ينقضها، فهي ليست من سعيهم، وعليهم أن يشكروه تعالى عليها لتبقى أمامهم ولا تزول، وإلا فليحافظوا عليها هم إن كانت من صنع أيديهم!
وكذلك في مسألة خلق الإنسان يوضح سبحانه وتعالى أنه يمنع الحياة وينقضها بالموت، قال تعالى:

{أفرأيتم ما تمنون "58" أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون "59" نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين "60"}
(سورة الواقعة)


فإن كنتم أنتم الخالقين، فحافظوا عليه وادفعوا عنه الموت. فذكر سبحانه النعمة في الخلق، وما ينقض النعمة في أصل الخلق. أما في خلق النار، فالأمر مختلف، حيث يقول تعالى:

{أفرأيتم النار التي تورون "71" أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون "72"}
(سورة الواقعة)


فذكر سبحانه قدرته في خلق النار وإشعالها ولم يذكر ما ينقضها، ولم يقل: نحن قادرون على إطفائها، كما ذكر سبحانه خلق الإنسان وقدرته على نقضه بالموت، وخلق الزرع وقدرته على جعله حطاماً، وخلق الماء وقدرته على جعله أجاجاً، إلا في النار، لأنه سبحانه وتعالى يريدها مشتعلة مضطرمة باستمرار لتظل ذكرى للناس، لذلك ذيل الآية بقوله تعالى:

{نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين "73"}
(سورة الواقعة)


كما نقف في هذه الآيات على ملمح من ملامح الإعجاز ودقة الأداء القرآني؛ لأن المتكلم رب يتحدث عن كل شيء بما يناسبه، ففي الحديث عن الزرع ـ ولأن للإنسان عملاً فيه مثل الحرث والبذر والسقي وغيره ـ نراه يؤكد الفعل الذي ينقض هذا الزرع، فيقول:

{لو نشاء لجعلناه حطاما .. "65"}
(سورة الواقعة)


حتى لا يراودك الغرور بعملك. أما في الحديث عن الماء ـ وليس للإنسان دخل في تكوينه ـ فلا حاجة إلى تأكيد الفعل كسابقه، فيقول تعالى:

{لو نشاء جعلناه أجاجاً .. "70"}
(سورة الواقعة)


 

قديم 25-10-2011, 09:23 PM   #825
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الكهف - الآية: 40

(فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقاً"40")
وعسى للرجاء، فإن كان الرجاء من الله فهو واقع لاشك فيه؛ لذلك حينما تقول عند نعمة الغير: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) يعطيك الله خيراً مما قلت عليه: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله)، وإن اعترفت بنعمة الله عليك ورددت الفضل إليه سبحانه زادك، كما جاء في قوله تعالى:

{لئن شكرتم لأزيدنكم "7"}
(سورة إبراهيم)


فقوله:

{فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك .. "40"}
(سورة الكهف)


أي: ينقل مسألة الغنى والفقر ويحولها، فأنت لا قدرة لك على حفظ هذه النعمة، كما أنك لا قدرة لك على جلبها من البداية. إذن: يمكن أن يعطيني ربي نعمة مثل نعمتك، في حين تظل نعمتك كما هي، لكن إرادة الله تعالى أن يقلب نعمتك ويزيلها:

{ويرسل عليها حسبانا من السماء .. "40"}
(سورة الكهف)


هذه النعمة التي تعتز بها وتفخر بزهرتها وتتعالى بها على خلق الله يمكن أن يرسل الله عليها حسباناً.
والحسبان: الشيء المحسوب المقدر بدقة وبحساب، كما جاء في قوله تعالى:

{الشمس والقمر بحسبانٍ "40"}
(سورة الرحمن)


والخالق سبحانه وتعالى جعل الشمس والقمر لمعرفة الوقت:

{لتعلموا عدد السنين والحساب "5"}
(سورة يونس)


ونحن لا نعرف من هذه عدد السنين والحساب إلا إذا كانت هي في ذاتها منضبطة على نظام دقيق لا يختل، مثل الساعة لا تستطيع أن تعرف بها الوقت وتضبطه إلا إذا كانت هي في ذاتها منضبطة، والشيء لا يكون حسباناً لغيره إلا إذا كان هو نفسه منشأ على حسبان.
وحسب حسباناً مثل غفر غفراناً، وقد أرس الله على هذه الجنة التي اغتر بها صاحبها صاعقة محسوبة مقدرة على قدر هذه الجنة لا تتعداها إلى غيرها، حتى لا يقول: إنها آية كونية عامة أصابتني كما أصابت غيري .. لا. إنها صاعقة مخصوصة محسوبة لهذه الجنة دون غيرها.
ثم يقول تعالى:

{فتصبح صعيدا زلقا "40"}
(سورة الكهف)


أي: أن هذه الجنة العامرة بالزروع والثمار، المليئة بالنخيل والأعناب بعد أن أصابتها الصاعقة أصبحت صعيداً أي: جدباء يعلوها التراب، ومنه قوله تعالى في التيمم:

{فيتمموا صعيداً طيباً "43"}
(سورة النساء)


ليس هذا وفقط، بل

{صعيدا زلقا "40"}
(سورة الكهف)


أي: تراباً مبللاً تنزلق عليه الأقدام، فلا يصلح لشيء، حتى المشي عليه.


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:43 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا