عرض مشاركة واحدة
قديم 11-04-2009, 12:05 AM   #36
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثانية والعشرون

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الجني لما حكي للجنية حكاية بنت وزير مصر وأن الملك قد أقسم أن يزوجها رغم أنف أبيها ، بأقل منه وكان عند الملك سائس أحدب بحدبة من قدام وحدبة من وراء فأمر السلطان بإحضاره وكتب كتابه على بنت الوزير بالنهار وأمر أن يدخل عليها في هذه الليلة ، ويعمل له زفافاً وقد تركه وهو بين مماليك السلطان ، وهم حوله في أيديهم الشموع موقدة يضحكون ويسخرون منه على باب الحمام ، وأما بنت الوزير فإنها جالسة تبكي بين المنقشات والمواشط وهي أشبه الناس بهذا الشاب ، وقد حجروا على أبيها ومنعوه أن يحضرها وما رأيت يا أختي أقبح من هذا الأحدب فهي أحسن من هذا الشاب .
قالت له الجنية : تكذب فإن هذا الشاب أحسن أهل زمانه .
فرد عليها العفريت وقال : والله يا أختي إن الصبية أحسن من هذا ، ولكن لا يصلح لها إلا هو فإنهما مثل بعضهما ولعلهما إخوان أو أولاد عم فيا خسارتها مع هذا الأحدب .
فقالت له : يا أخي دعنا ندخل تحته ونروح به إلى الصبية التي تقول عليها وننظر أيهما أحسن .
فقال العفريت سمعاً وطاعة ، هذا كلام صواب وليس هناك أحسن من هذا الرأي الذي إخترتيه فأنا أحمله .
ثم إنه حمله وطار به إلى الجو وصارت العفريتة في كل ركابه تحاذيه ، إلى أن نزل به في مدينة مصر وحطه على مصطبة ونبهه .
فاستيقظ من النوم فلم يجد نفسه على قبر أبيه في أرض البصرة ، والتفت يميناً وشمالاً فلم يجد نفسه إلا في مدينة غير مدينة البصرة فأراد أن يصيح فغمزه العفريت وأوقد له شمعة وقال له :
أعلم أني جئت بك ، وأنا أريد أن أعمل معك شيئاً لله فخذ هذه الشمعة وامش بها إلى ذلك الحمام واختلط بالناس ولا تزال ماشياً معهم حتى تصل إلى قاعة العروسة ، فاسبق وادخل القاعة ولا تخشى أحداً وإذا دخلت فقف على يمين العريس الأحدب وكل ما جاءك المواشط والمغنيات والمنقشات فحط يدك في جيبك تجده ممتلئا ذهبا فاكبش وارم لهم ولا تتوهم أنك تدخل يدك ولم تجده ممتلئا بالذهب ، فاعط كل من جاءك بالحفنة ولا تخشى من شيء وتوكل على الذي خلقك ، فما هذا بحولك وقوتك بل بحول الله وقوته .
فلما سمع حسن بدر الدين من العفريت هذا الكلام ، قال :
يا ترى أي شيء هذه القضية وما وجه الإحسان .
ثم مشى وأوقد الشمعة ، وتوجه إلى الحمام فوجد الأحدب راكب الفرس فدخل حسن بدر الدين بين الناس وهو على تلك الحالة مع الصورة الحسنة ، وكان عليه الطربوش والعمامة والفرجية المنسوجة بالذهب وما زال ماشياً في الزينة ، وكلما وقفت المغنيات الناس ينقطوهن ، يضع يده في جيبه فيلقاها ممتلئا بالذهب فيكبش ويرمي في الطار للمغنيات والمواشط فيملأ الطار دنانير فاندهشت عقول المغنيات وتعجب الناس من حسنه وجماله ولم يزل على هذا الحال حتى وصلوا إلى بيت الوزير ، فردت الحجاب الناس ومنعوهم . فقالت المغنيات والمواشط والله لا ندخل إلا إن دخل هذا الشاب معنا لأنه غمرنا بإحسانه ولا نجلي العروسة إلا وهو حاضر ، فعند ذلك دخلوا به إلى قاعة الفرح وأجلسوه برغم أنف العريس الأحدب واصطفت جميع نساء الأمراء والوزراء والحجاب صفين وكل مرأة معها شمعة كبيرة موقدة مضيئة وكلهن ملثمات وصرن صفوفاً يميناً وشمالاً ، من تحت المنصة إلى صدر الديوان الذي عند المجلس الذي تخرج منه العروسة ، فلما نظر النساء حسن بدر الدين وما هو فيه من الحسن والجمال ، ووجهه يضيء كأنه هلال ، مالت جميع النساء إليه .
فقالت المغنيات للنساء الحاضرات : اعلموا أن هذا المليح ما نقطنا إلا بذهب الأحمر فلا تقصرن في خدمته وأطعنه فيما يقول .
فازدحمن النساء عليه بالشمع ونظرن إلى جماله فانبهرت عقولهن من حسنه ، وصارت كل واحدة منهن تود أن تكون في حضنه سنة أو شهراً أو ساعة ، ورفعن ما كان على وجوههن من النقاب وتحيرت منهن الألباب وقلن هنيئاً لمن كان هذا الشاب له أو عليه ثم دعون لحسن بدر الدين ودعون على ذلك الأحدب .
ثم إن المغنيات ضربنا بالدفوف وأقبلت المواشط وبنت الوزير بينهن ، وقد طيبنها وعطرنها وألبسنها وحسن شعرها ونحرها بالحلى والحلل من لباس الملوك الأكاسرة ومن جملة ما عليها ثوب منقوش بالذهب الأحمر وفيه صور الوحوش والطيور وهو مسبول عليها من فوق حوائجها ، وفي عنقها عقد يساوي الألوف قد حوى كل فص من الجواهر ما حاز مثله تبع ولا قيصر وصارت العروسة كأنها البدر إذا أقمر في ليلة أربعة عشر ، ولما أقبلت كانت كأنها حورية فسبحان من خلقها بهية وأحدق بها النساء فصرن كالنجوم وهي بينهن كالقمر إذا انجلى عنه الغيم وكان حسن بدر الدين البصري جالساً والناس ينظرون إليه .
فحضرت العروسة وأقبلت وتمايلت فقام إليها السائس الأحدب ، ليقبلها فأعرضت عنه وانقلبت حتى صارت قدام حسن إبن عمها فضحك الناس لما رأوها مالت إلى نحو بدر الدين وحط يده في جيبه وكبش الذهب ، ورمى في طار المغنيات ففرحوا وقالوا كنا نشتهي أن تكون هذه العروسة لك فتبسم .
هذا كله والسائس الأحدب وحده كأنه قرد ، وكلما أوقدوا له الشمعة طفئت فبهت وصار قاعداً في الظلام يمقت في نفسه وهؤلاء الناس محدقون به وتلك الشموع الموقدة بهجتها ، من اعجب العجائب ، يتحير من شعاعها أولوا الألباب وأما العروسة فإنها رفعت كفيها إلى السماء ، وقالت :
اللهم إجعل هذا بعلي وأرحني من هذا السائس الأحدب .
وصارت المواشط تجلي العروسة إلى آخر السبع وخلع على حسن بدر الدين البصري والسائس الأحدب وحده .
فلما افرغوا من ذلك أذنوا بالإنصراف فخرج جميع من كان في الفرح من النساء والأولاد ولم يبقى إلا حسن بدر الدين والسائس الأحدب ، ثم إن المواشط أدخلن العروسة ليكشفن ما عليها من الحلي ويهيئنها للعريس فعند ذلك تقدم السائس الأحدب إلى حسن بدر الدين ، وقال له :
يا سيدي آنستنا في هذه الليلة وغمرتنا بإحسانك فلم لا تقوم تروح بيتك بلا مطرود .
فقال : بسم الله .
ثم قام وخرج من الباب فلقيه العفريت ، فقال له :
قف يا بدر الدين فإذا خرج الأحدب إلى بيت الراحة ، فادخل أنت واجلس في المخدع فإذا أقبلت العروسة فقل لها أنا زوجك والملك ما عمل تلك الحيلة إلا لأنه يخاف عليك من العين ، وهذا الذي رأيته سائس من سياسنا ، ثم أقبل عليها واكشف وجهها ولا تخشى بأسا من أحد .
فبينما بدر الدين يتحدث مع العفريت وإذا بالسائس دخل بيت الراحة وقعد على الكرسي فطلع له العفريت من الحوض الذي فيه الماء في صورة فأر ، فقال الأحدب : ما جاء بك هنا .
فكبر الفأر ، وصار كالقط ثم كبر حتى صار كلباً فلما نظر السائس ذلك فزع وقال : إخسأ يا مشؤوم .
فكبر الكلب ، وانتفخ حتى صار جحشاً فانزعج السائس وقال :
إلحقوني يا أهل البيت .
وإذا بالجحش قد كبر وصار قدر الجاموسة وسد عليه المكان وتكلم بكلام إبن آدم وقال :
ويلك يا أحدب يا أنتن السياس .
فلحق السائس البطن وقعد على الملاقي بأثوابه واشتبكت أسنانه ببعضها فقال له العفريت : هل ضاقت عليك الأرض فلا تتزوج إلا بمعشوقتي .
فسكت السائس ، فقال له : رد الجواب وإلا اسكنتك التراب .
فقال له : والله مالي ذنب إلا إنهم غصبوني وما عرفت أن لها عشاقاً من الجواميس ولكن أنا تائب إلى الله ثم إليك .
فقال له العفريت : اقسم بالله إن خرجت في هذا الوقت ، من هذا الموضع أو تكلمت قبل أن تطلع الشمس لأقتلنك ، فإذا طلعت الشمس فاخرج إلى حال سبيلك ولا تعد إلى هذا البيت أبدا .
ثم إن العفريت قبض على السائس الأحدب وقلب رأسه في الملاقي وجعلها إلى أسفل وجعل رجليه إلى فوق ، وقال له :
إستمر هنا وأنا أحرسك إلى طلوع الشمس .
هذا ما كان من قصة الأحدب .
وأما ما كان من قصة بدر الدين البصري فإنه خلى الأحدب والعفريت يتخاصمان ودخل البيت وجلس داخل المخدع ، وإذا بالعروس أقبلت معها العجوز ، فوقفت العجوز في باب المخدع وقالت :
يا أبا شهاب قم وخذ عروستك ، وقد استودعتك الله .
ثم ولت العجوز ودخلت العروسة وصدر المخدع ، وكان إسمها ست الحسن وقلبها مكسور وقالت في قلبها :
والله لا أمكنه من نفسي لو طلعت روحي .
فلما دخلت إلى صدر المخدع نظرت بدر الدين ، فقالت :
يا حبيبي وإلى هذا الوقت أنت قاعد لقد قلت في نفسي لعلك أنت والسائس الأحدب مشتركان في .
فقال حسن بدر الدين : وأي شيء أوصل السائس إليك ومن أين له أن يكون شريكي فيك .
فقالت : ومن زوجي أأنت أم هو ?
قال حسن بدر الدين : يا سيدتي نحن ما عملنا هذا إلا سخرية به لنضحك عليه . فلما نظرت المواشط والمغنيات وأهلك حسنك البديع خافوا علينا من العين فأشتراه أبوك بعشرة دنانير حتى يصرف عنا العين وقد راح .
فلما سمعت ست الحسن من بدر الدين ذلك الكلام فرحت وتبسمت وضحكت ضحكاً لطيفاً وقالت :
والله أطفأت ناري فبالله خذني عندك وضمني إلى حضنك .
فكشف ثوبها إلى نحرها فبان ما قدامها وورائها .
فلما نظر بدر الدين صفاء جسمها تحركت فيه الشهوة فقام وحل كيس الذهب الذي كان أخذه من اليهودي ووضع فيه ألف دينار ولفه في سرواله وحطه تحت ذيلة الطراحة وقلع عمامته ووضعها على الكرسي وبقي بالقميص الرفيع وكان القميص مطرز بالذهب ، فعند ذلك قامت إليه ست الحسن وجذبته إليها وجذبها بدر الدين وعانقها فوجدها درة ما ثقبت ومطية لغيره ما ركبت ، فأزال بكارتها ، وتملى بشبابها ، فلما فرغ حسن بدر الدين وضع يده تحت رأسها وكذلك الأخرى وضعت يدها تحت رأسه ثم أنهما تعانقا وشرحا بعناقهما مضمون هذه الأبيات :
زر من تحب كلام الـحـاسـد ........ ليس الحسود على الهوى بمساعد
لم يخلق الرحمن أحسن منظـراً ........ من عاشقين في فـراش واحـد
متعانقين عليهما حلل الـرضـا ........ متوسدين بمعصـم وبـسـاعـد
وإذا تألفت القلوب على الهـوى ........ فالناس تضرب في حديـد بـارد
وإذا صفى لك من زمانك واحـد ........ فهو المراد وعش بذاك الواحـد

هذا ما كان من أمر حسن بدر الدين وست الحسن بنت عمه .
وأما ما كان من أمر العفريت فإنه قال للعفريتة :
قومي وادخلي تحت الشاب ودعينا نوديه مكانه لئلا يدركنا الصبح فإن الوقت قريب .


 

رد مع اقتباس