المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > الملتقيات العامة > ملتقى الأدب
 

ملتقى الأدب للقصة القصيرة والقصيدة باللغتين الفصحى والنبطي .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 15-05-2009, 06:24 PM   #151
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثامنة والعشرين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الملعونة لما فرغت عن الداهية التي عملتها والمخازي التي لنفسها أبدتها ، أخذت دواة وقرطاساً وكتبت فيه :
من عند شواهي ذات الدواهي إلى حضرة المسلمين أعلموا أني دخلت بلادكم وغششت بلؤمي كرامكم وقتلت سابقاً ملككم عمر النعمان في وسط قصره وقتلت أيضاً في واقعة الشعب والمغارة رجالاً كثيرة وآخر من قتلته بمكري ودهائي وغدري شركان وغلمانه ، ولو ساعدني الزمان وطاوعني الشيطان كنت قتلت السلطان والوزير دندان وأنا الذي أتيت إليكم في زي الزاهد ، وانطلت عليكم من الحيل والمكايد فإن شئتم سلامتكم بعد ذلك فارحلوا وإن شئتم هلاك أنفسكم فعن الإقامة لا تعدلوا فلو أقمتم سنين وأعواماً ، لا تبلغون منا مراماً .
وبعد أن كتبت الكتاب أقامت في حزنها على الملك أفريدون ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع دعت بطريقاً وأمرته أن يأخذ الورقة ويضعها في سهم ويرميها إلى المسلمين .
ثم دخلت الكنيسة وصارت تندب وتبكي على فقد أفريدون وقالت :
لمن تسلطن بعده لا بد أن أقتل ضوء المكان وجميع أمراء الإسلام .
هذا ما كان من أمرها .
وأما ما كان من أمر المسلمين فإنهم أقاموا ثلاثة أيام في هم واغتمام وفي اليوم الرابع نظروا إلى ناحية السور وإذا ببطريق معه سهم نشاب ، وفي عرفه كتاب فصبروا عليه حتى رماه إليهم فأمر السلطان الوزير دندان أن يقرأه ، فلما قرأه وسمع ما فيه وعرف معناه هملت بالدموع عيناه ، وصاح وتضجر من مكرها وقال الوزير :
والله لقد كان قلبي نافراً منها .
فقال السلطان :
وهذه العاهرة كيف عملت علينا الحيلة مرتين والله لا أحول من هنا حتى أملأ فرجها بمسيح الرصاص وأسجنها سجن الطير في الأقفاص وبعد ذلك أصلبها من شعرها على باب القسطنطينية .
ثم تذكر أخاه فبكى بكاء شديداً .
ثم إن الكفار لما توجهت لهم ذات الدواهي وأخبرتهم بما حصل فرحوا بقتل شركان وسلامة ذات الدواهي .
ثم إن المسلمين رجعوا على باب القسطنطينية . ووعدهم السلطان أنه إذا فتح المدينة يفرق أموالها عليهم بالسوية .
هذا والسلطان لم تجف دموعه حزناً على أخيه واعترى جسمه الهزال حتى صار كالخلال فدخل عليه الوزير دندان وقال له :
طب نفساً وقر عيناً فإن أخاك ما مات إلا بأجله وليس في هذا الحزن فائدة وما أحسن قول الشاعر :
ما لا يكون فلا يكون بحـيلة ........ أبداً وما هو كائن سيكـون
سيكون ما هو كائن في وقته ........ وأخو الجهالة دائماً مغبون

فدع البكاء والنواح وقو قلبك لحمل السلاح .
فقال :
يا وزير إن قلبي مهموم من أجل موت أبي وأخي ومن أجل غيابنا عن بلادنا فإن خاطري مشغول برعيتي .
فبكى الوزير هو والحاضرون وما زالوا مقيمين على حصار القسطنطينية مدة من الزمان فبينما هم كذلك وإذا بالأخبار وردت عليهم من بغداد صحبة أمير من أمرائه مضمونها ، إن زوجة الملك ضوء المكان رزقت ولداً وسمته نزهة الزمان أخت الملك كان ما كان ولكن هذا الغلام سيكون له شأن بسبب ما رأوه من العجائب والغرائب وقد أمرت العلماء والخطباء أن يدعوا لكم على المنابر ودبر كل صلاة ، وإننا طيبون بخير والأمطار كثيرة إن صاحبك الوقاد في غاية النعمة الجزيلة وعنده الخدم والغلمان ولكنه إلى الآن لم يعلم بما جرى لك والسلام .
فقال له ضوء المكان :
اشتد ظهري حيث رزقت ولداً اسمه كان ما كان .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 06:25 PM   #152
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة التاسعة والعشرين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الملك قال للوزير دندان :
إني أريد أن أترك هذا الحزن وأعمل لأخي ختمات وأموراً من الخيرات .
فقال الوزير :
نعم ما أردت .
ثم أمر بنصب الخيام على قبر أخيه ، فنصبوها وجمعوا من العسكر من يقرأ القرآن فصار بعضهم يذكر الله إلى الصباح ، ثم إنهم انصرفوا إلى الخيام وأقبل السلطان على الوزير دندان وأخذا يتشاورون في أمر القتال واستمرا على ذلك أياماً وليالي وضوء المكان يتضجر من الهم والأحزان ثم قال :
إني أشتهي سماع أخبار الناس وأحاديث الملوك ، وحكايات المتيمين لعل الله يفرج ما بقلبي من الهم الشديد ويذهب عني البكاء والمديد .
فقال الوزير :
إن كان ما يفرج همك أسماع قصص الملوك من نوادر الأخبار وحكايات المتقدمين من المتيمين وغيرهم فإن هذا الأمر سهل لأنني لم يكن لي شغل في حياة المرحوم والدك إلا الحكايات والأشعار وفي هذه الليلة أحدثك بخبر العاشق والمعشوق لأجل أن ينشرح صدرك .
فلما سمع ضوء المكان كلام الوزير دندان تعلق قلبه بما وعده به ولم يبق له اشتغال إلا بانتظار مجيء الليل لأجل أن يسمع ما يحكيه الوزير دندان ، من أخبار المتقدمين من الملوك والمتيمين فما صدق أن الليل أقبل ، حتى أمر بإيقاد الشموع والقناديل وإحضار ما يحتاجون إليه من الأكل والشرب وآلات البخور فأحضروا له جميع ذلك ، ثم أرسل إلى الوزير دندان فحضر وأرسل إلى بهرام رستم وتركاش والحاجب الكبير فحضروا .
فلما حضروا جميعهم بين يديه التفت إلى الوزير دندان وقال له :
اعلم أيها الوزير أن الليل قد أقبل وسدل جلابيته علينا وأسبل ، ونريد أن تحكي لنا ما وعدتنا من الحكايات .
فقال الوزير :
حباً وكرامة .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 06:26 PM   #153
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثلاثين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الملك ضوء المكان ، لما حضر الوزير والحاجب ورستم وبهرام التفت إلى الوزير دندان وقال للوزير :
اعلم أيها الوزير أن الليل قد أقبل وأسدل جلابيبه علينا وأسبل ونريد أن تحكي لنا ما وعدتنا به من الحكايات .
فقال الوزير :
حباً وكرامة .
ثم قال الوزير دندان :
اعلم أيها الملك السعيد أنه كان في سالف الزمان مدينة وراء جبال أصبهان يقال لها المدينة الخضراء وكان بها ملك يقال له الملك سليمان وكان صاحب جود وإحسان وعدل وأمان وفضل وامتنان وسارت إليه الركبان من كل مكان وشاع ذكره في سائر الأقطار والبلدان وأقام في المملكة مدة مديدة من الزمان وهو في عز وأمان إلا أنه كان خالياً من الأولاد والزوجات وكان له وزير يقاربه في الصفات من الجود والهبات فاتفق أنه أرسل إلى وزيره يوماً من الأيام وأحضره بين يديه وقال له :
يا وزير إنه ضاق صدري وعيل صبري وضعف مني الجلد لكوني بلا زوجة ولا ولد وما هذا سبيل الملوك الحكام على كل أمير وصعلوك فإنهم يفرحون بخلفة الأولاد وتتضاعف لهم بهم العدد والأعداد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم تناكحوا وتناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة فما عندك من الرأي يا وزير فأشر علي بما فيه النصح من التدبير .
فلما سمع الوزير ذلك الكلام فاضت الدموع من عينيه بالانسجام وقال :
هيهات يا ملك الزمان أن أتكلم فيما هو خصائص الرحمن أتريد أن أدخل النار بسخط الملك الجبار ?
فقال له الملك :
اعلم أيها الوزير أن الملك إذا اشترى جارية لا يعلم حسبها ولا يعرف نسبها فهو لا يدري خساسة أصلها ، حتى يجتنبها ولا شرف عنصرها حتى يتسرى بها أفضى إليها ربما حملت منه فيجيء الولد منافقاً ظالماً سفاكاً للدماء ويكون مثلها مثل الأرض السخية إذا زرع فإنه يخبث نباته ولا يحسن نباته وقد يكون ذلك الولد متعرضاً لسخط مولاه ولا يفعل ما أمره به ولا يجتنب ما عنه نهاه فأنا لا أسبب في هذا بشراء جارية أبداً وإنما مرادي أن تخطب لي بنتاً من بنات الملوك يكون نسبها معروفاً وجمالها موصوفاً فإن دلتني على ذات النسب والدين من بنات ملوك المسلمين فإني أخطبها وأتزوج بها على رؤوس الأشهاد ليحصل لي بذلك رضا رب العباد .
فقال له الوزير :
إن الله قضى حاجتك وبلغك أمنيتك .
فقال له :
وكيف ذلك ?
فقال له :
اعلم أيها الملك أنه بلغني أن الملك زهر شاه صاحب الأرض البيضاء له بنت بارعة في الجمال يعجز عن وصفها القيل والقال ولم يوجد لها في هذا الزمان مثيل لأنها في غاية الكمال قويمة الاعتدال ذات طرف كحيل وشعر طويل وخصر نحيل وردف ثقيل إن أقبلت فتنت وإن أدبرت قتلت تأخذ القلب والناظر إليها كما قال الشاعر :
هيفاء يخجل غصن البان قامـتـها ........ لم يحك طلعتها شمـس ولا قمـر
كأنما ريقـها شهـد وقـد مـزجت ........ به المدامة ولكن ثـغـرهـا درر
ممشوقة القد من حور الجنان لـها ........ وجه جميل وفي ألحاظـهـا حور
وكم لها من قتيل مات كيد من كمـد ........ وفي طريق هواها الخوف والخطر
إن عشت فهي المنى ما شئت أذكرها ........ أو مت من دونها لم يجدني العمر
فلما فرغ الوزير من وصف تلك الجارية قال للملك سليمان شاه :
الرأي عندي أيها الملك أن ترسل إلى أبيها رسولاً فطناً خبيراً بالأمور مجرباً لتصاريف الدهور ليتلطف في خطبتها لك من أبيها فإنها لا نظير لها في قاصي الأرض ودانيها وتحظى منها بالوجه الجميل ويرضى عليك الرب الجليل ، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
لا رهبانية في الإسلام .
فعند ذلك توجه إلى الملك كمال الفرح واتسع صدره وانشرح وزال عنه الهم والغم ، ثم أقبل على الوزير وقال :
اعلم أيها الوزير أنه لا يتوجه لهذا الأمر إلا أنت لكمال عقلك وأدبك ، فقم إلى منزلك واقض أشغالك وتجهز في غد واخطب لي هذه البنت التي أشغلت بها خاطري ولا تعد لي إلا بها .
فقال :
سمعاً وطاعة .
ثم إن الوزير توجه إلى منزله واستدعى بالهدايا التي تصلح للملوك من ثمين الجواهر ونفيس الذخائر وغير ذلك مما هو خفيف في الحمل وثقيل في الثمن ومن الخيل العربية والدروع الداودية وصناديق المال التي يعجز عن وصفها المقال ، ثم حملوها على البغال والجمال وتوجه الوزير ومعه مائة مملوك ومائة جارية وانتشرت على رأسه الرايات والأعلام وأوصاه الملك أن يأتي إليه في مدة قليلة من الأيام .
وبعد توجهه صار الملك سليمان شاه على مقالي النار مشغولاً بحبها في الليل والنهار وسار الوزير ليلاً نهاراً يطوي برار وأقفار حتى بقي بينه وبين المدينة التي هو متوجه إليها يوم واحد ، ثم نزل شاطئ نهر واحضر بعض خواصه وأمره أن يتوجه إلى الملك زهر شاه بسرعة ويخبره بقدومه عليه فقال :
سمعاً وطاعة .
ثم توجه بسرعة إلى تلك المدينة فلما قدم عليها وافق قدومه أن الملك زهر شاه كان جالساً في بعض المنتزهات قدام باب المدينة فرآه وهو داخل وعرف أنه غريب فأمر بإحضاره بين يديه ، فلما حضر الرسول وأخبره بقدوم وزير الملك الأعظم سليمان شاه صاحب الأرض الخضراء وجبال أصفهان ففرح الملك زهر شاه ورحب بالرسول وأخذه وتوجه إلى قصره وقال :
أين فارقت الوزير ?
فقال :
فارقته على شاطئ النهر الفلاني وفي غد يكون واصلاً إليك وقادماً عليك أدام الله نعمته عليك ورحم والديك .
فأمر زهر شاه بعض وزرائه أن يأخذ معظم خواصه وحجابه ونوابه وأرباب دولته ويخرج بهم إلى مقابلته تعظيماً للملك سليمان شاه لأن حكمه نافذ في الأرض .
هذا ما كان من أمر الملك زهر شاه .
وأما ما كان من أمر الوزير فإنه استقر في مكان إلى نصف الليل ثم رحل متوجهاً إلى المدينة فلما لاح الصباح وأشرقت الشمس على الروابي والبطاح لم يشعر إلا ووزير الملك زهر شاه وحجابه وأرباب دولته وخواص مملكته قدموا عليه واجتمعوا به على فراسخ من المدينة فأيقن الوزير بقضاء حاجته وسلم على الذين قابلوه ولم يزالوا سائرين قدامه حتى وصلوا إلى قصر الملك ودخلوا بين يديه في باب القصر إلى سابع دهليز وهو المكان الذي لا يدخله الراكب لأنه قريب من الملك فترجل الوزير وسعى على قدميه حتى وصل إلى إيوان عال وفي صدر ذلك الإيوان سرير من المرمر مرصع بالدر والجوهر وله أربعة قوائم من أنياب الفيل وعلى ذلك السرير مرتبة من الأطلس الأخضر مطرزة بالذهب لأحمر ومن فوقها سرادق بالدر والجوهر والملك زهر شاه جالس على ذلك السرير وأرباب دولته واقفون في خدمته .
فلما دخل الوزير عليه وصار بين يديه ثبت جنانه وأطلق لسانه وأبدى فصاحة الوزراء وتكلم بكلام البلغاء .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 06:27 PM   #154
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الحادية والثلاثين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن وزير الملك سليمان شاه لما دخل على الملك زهر شاه قربه الملك زهر شاه وأكرمه غاية الإكرام وأجلسه بجابنه وتبسم في وجهه وشرفه بلطيف الكلام ولم يزالا على ذلك إلى وقت الصباح .
ثم قدموا السماط في ذلك الإيوان فأكلوا جميعاً حتى اكتفوا ، ثم رفع السماط وخرج كل من في المجلس ولم يبق إلا الخواص ، فلما رأى الوزير خلو المكان نهض قائماً على قدميه وأثنى على الملك وقبل الأرض بين يده ثم قال :
أيها الملك الكبير والسيد الخطير إني سعيت إليك وقدمت عليك في أمر لك فيه الصلاح والخير والفلاح وهو أني قد أتيتك رسولاً خاطباً وفي بنتك الحسيبة النسيبة راغباً من عند الملك سليمان شاه صاحب العدل والأمان والفضل والإحسان ملك الأرض الخضراء وجبال أصفهان وقد أرسل إليك الهدايا الكثيرة والتحف الغزيرة وهو في مصاهرتك راغب ، فهل أنت له كذلك طالب .
ثم سكت ينتظر الجواب .
فلما سمع الملك زهر شاه ذلك الكلام نهض قائماً على الأقدام ولثم الأرض باحتشام فتعجب الحاضرون من خضوع الملك للرسول واندهشت منهم العقول ثم إن الملك أثنى على ذي الجلال والإكرام وقال وهو في حالة القيام :
أيها الوزير المعظم والسيد المكرم اسمع ما أقول :
إننا للملك سليمان شاه من جملة رعاياه ونتشرف بنسبه وننافس فيه وابنتي جارية من جملة جواريه وهذا أجل مرادي ليكون ذخري واعتمادي .
ثم إنه أحضر القضاة والشهود شهدوا أن الملك سليمان شاه وكل وزيره في الزواج وتولى الملك زهر شاه عقد ابنته بابتهاج ، ثم إن القضاة أحكموا عقد النكاح ودعوا لهما بالفوز والنجاح ، فعند ذلك قام الوزير وأحضر ما جاء به من الهدايا ونفائس التحف والعطايا وقدم الجميع للملك زهر شاه ، ثم إن الملك أخذ في تجهيز ابنته وإكرام الوزير وعم بولائمه العظيم والحقير واستمر في إقامة الفرح مدة شهرين ولم يترك فيه شيئاً مما يسر القلب والعين ، ولما تم ما تحتاج إليه العروس أمر بإخراج الخيام فضربت بظاهر المدينة وعبوا القماش في الصناديق وهيأوا الجواري الروميات والوصائف التركيات .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 06:28 PM   #155
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثانية والثلاثين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد ثم إنهم أحضروا الوصائف التركيات وأصحب العروسة بنفيس الذخائر وثمين الجواهر ثم صنع محفة من الذهب الأحمر مرصعة بالدر والجوهر وأفرد لها عشرة بغال للمسير وصارت تلك المحفة كأنها مقصورة من المقاصير وصاحبتها كأنها حورية من الحور الحسان وخدرها كقصر من قصور الجنان ثم حزموا الذخائر والأموال وحملوها على البغال والجمال وتوجه الملك زهر شاه معهم قدر ثلاثة فراسخ ، ثم ودع ابنته وودع الوزير ومن معه ورجع إلى الأوطان في فرح وأمان وتوجه الوزير بابنة الملك وسار ولم يزل يطوي المراحل والقفار .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 06:28 PM   #156
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثالثة والثلاثين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير توجه بابنة الملك وسار ولم يزل يطوي المراحل والقفار ويجد المسير في الليلة والنهار حتى بقي بينه وبين بلاده ثلاثة أيام ثم أرسل إلى الملك سليمان شاه من يخبره بقدوم العروسة فأسرع الرسول بالسير حتى وصل إلى الملك وأخبره بقدوم العروسة ففرح الملك سليمان شاه وخلع على الرسول وأمر عساكره أن يخرجوا في موكب عظيم إلى ملاقاة العروسة ومن معها بالتكريم وأن يكونوا في أحسن البهجات وأن ينشروا على رؤوسهم الرايات فامتثلوا لأوامره ونادى المنادي أنه لا تبقى بنت مخدرة ولا حرة موقرة ولا عجوز مكسرة إلا وتخرج إلى لقاء العروسة فخرجوا جميعاً إلى لقائها وسعت كبراؤهم في خدمتها واتفقوا على أن يتوجهوا بها في الليل إلى قصر الملك واتفق أرباب الدولة على أن يزينوا الطريق وأن يقفوا حتى تمر بهم العروسة والخدم قدامها والجواري بين يديها وعليها الخلعة التي أعطاها لها أبوها .
فلما أقبلت أحاط بها العسكر ذات اليمين وذات الشمال ولم تزل المحفة سائرة بها إلى أن قربت من القصر ولم يبق أحد إلا وقد خرج ليتفرج عليها وصارت الطبول ضاربة والرماح لاعبة والبوقات صائحة وروائح الطيب فائحة والرايات خافقة والخيل متسابقة حتى وصلوا إلى باب القصر وتقدمت الغلمان بالمحفة إلى باب السر فأضاء المكان ببهجتها وأشرقت جهاته بحلي زينتها فلما أقبل الليل فتح الخدم أبواب السرادق ووقفوا وهم محيطون بالباب ، ثم جاءت العروسة وهي بين الجواري كالقمر بين النجوم أو الدرة الفريدة بين اللؤلؤ المنظوم ، ثم دخلت المقصورة وقد نصبوا لها سرير من المرمر المرصع بالدر والجوهر فجلست عليه ودخل عليها الملك وأوقع الله محبتها في قلبه فأزال بكارتها وزال ما كان عنده من القلب والسهر وأقام عندها نحو شهر فعلقت منه في أول ليلة .
وبعد تمام الشهر خرج وجلس على سرير مملكته وعدل في رعيته إلى أن وفت أشهرها .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 06:29 PM   #157
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الرابعة والثلاثين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الملك عندما جلس على سرير مملكته إلى أن وفت زوجته أشهرها وفي آخر ليلة الشهر التاسع جاءها المخاض عند السحر فجلست على كرسي الطلق وهون الله عليها الولادة فوضعت غلاماً ذكراً تلوح عليه علامات السعادة ، فلما سمع الملك بالولد فرح فرحاً جليلاً وأعطى المبشر مالاً جزيلاً ، ومن فرحته توجه إلى الغلام وقبله بين عينيه وتعجب من جماله الباهر وتحقق فيه قول الشاعر :
الله خول منـه آجـام الـفـلا ........ أسداً وآفاق الرياسة كوكـبـا
هشت لمطلعه الأسنة والأسـرة ........ والمحافل والجحافل والظبـى
لا تركبوه على النهـود فـإنـه ........ ليرى ظهور الخيل أوطأ مركبا
ولتفطموه عن الرضاع فـإنـه ........ ليرى دم الأعداء أحلى مشربـا

ثم إن الدايات أخذن ذلك المولود وقطعن سرته وكحلن مقلته ثم سموه تاج الملوك خاران وارتضع ثدي الدلال وتربى في حجر الإقبال ، ولا زالت الأيام تجري والأعوام تمضي حتى صار له من العمر سبع سنين ، فعند ذلك أحضر الملك سليمان شاه العلماء والحكماء وأمرهم أن يعلموا ولده الخط والحكمة والأدب فمكثوا على ذلك مدة سنين حتى تعلم ما يحتاج إليه الأمر ، فلما عرف جميع ما طلبه منه الملك أحضره من عند الفقهاء والمعلمين واحضر له أستاذاً يعلمه الفروسية فلم يزل يعلمه حتى صار له من العمر أربعة عشر سنة ، وكان إذا خرج لبعض أشغاله يفتتن به كل من رآه .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 06:30 PM   #158
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الخامسة والثلاثين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن تاج الملوك خاران بن الملك سليمان شاه مهر في الفروسية وفاق أهل زمانه وصار من فرط جماله إذا خرج إلى بعض أشغاله يفتتن به كل من رآه حتى نظموا فيه الأشعار وتهتكت في محبته الأحرار لما حوى من الجمال الباهر كما قال فيه الشاعر :
عانقته فسكرت مـن طـيب الشـذا ........ غصناً طيباً بالنسيم قد اغـتـدى
سكران ما شـرب المـدام وإنـمـا ........ أمسى بخمر رضابه متـنـبـذا
أضحى الجمـال بأسره فـي أسـره ........ فلأجل ذلك على القلوب استحوذا
والله ما خـطر السـلو بخـاطـري ........ ما دمت في قيد الحـياة ولا إذا
إن عشت عشت على هواه وإن مت ........ وجداً بـه وصـبـابة يا حـبذا

فلما بلغ من العمر ثمانية عشر عاماً وبلغ مبلغ لرجال زاد به الجمال ثم صار لتاج الملوك خاران أصحاب وأحباب وكل من تقرب إليه يرجو أنه يصير سلطاناً بعد موت أبيه وأن يكون عنده أميراً .
ثم إنه تعلق بالصيد والقنص وصار لم يفتر عنه ساعة واحدة وكان والده سليمان شاه ينهاه عن ذلك مخافة عليه من آفات البر والوحوش فلم يقبل منه ذلك ، فاتفق أنه قال لخدامه :
خذوا معكم عليق عشرة أيام .
فامتثلوا لما أمرهم به ، فلما خرج بأتباعه للصيد والقنص .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 06:30 PM   #159
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة السادسة والثلاثين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن تاج الملوك لما أمر خدامه بالخروج وساروا في البر ولم يزالوا سائرين أربعة أيام حتى أشرفوا على أرض خضراء فيها وحوشاً راتعة وأشجار يانعة وعيوناً نابعة فقال تاج الملوك لأتباعه :
انصبوا الحبائل هنا وأوسعوا دائرة حلقتها ويكون اجتماعنا عند رأس الحلقة في المكان الفلاني .
فامتثلوا لأمره ونصبوا الحبائل وأوسعوا دائرة حلقتها فاجتمع فيها شيء كثير من أصناف الوحوش والغزلان إلى أن ضجت منهم الوحوش وتنافرت في وجوه الخيل فأغرى عليها الكلاب والفهود والصقور ثم ضربوا الوحوش بالنشاب فأصابوا مقاتل الوحوش وما وصلوا إلى آخر الحلقة لا وقد أخذوا من الوحوش شيئاً كثيراً وهرب الباقي ، وبعد ذلك نزل تاج الملوك على الماء وأحضر الصيد وقسمه وأفرد لأبيه سليمان شاه خاص الوحوش وأرسله إليه وفرق البعض على أرباب دولته .
فلما أصبح الصباح أقبلت عليه قافلة كبيرة مشتملة على عبيد وغلمان وتجار فنزلت تلك القافلة على الماء والخضرة فلما رآهم تاج الملوك قال لبعض أصحابه :
ائتني بخبر هؤلاء واسألهم لأي شيء نزلوا في هذا المكان ؟
فلما توجه إليهم الرسول قال لهم :
أخبرونا من أنتم وأسرعوا في رد الجواب .
فقالوا له :
نحن تجار ونزلنا لأجل الراحة لأن المنزل بعيد علينا وقد نزلنا في هذا المكان لأننا مطمئنون بالملك سليمان شاه وولده ونعلم أن كل من نزل في هذا المكان صار في أمان واطمئنان ومعنا قماش نفيس جئنا به من أجل ولده تاج الملوك .
فرجع الرسول إلى ابن الملك وأعلمه بحقيقة الحال وأخبره بما سمعه من التجار فقال ابن الملك :
إذا كان معهم شيء جاؤوا به من أجلي فما أدخل المدينة ولا أرحل من هذا المكان حتى أستعرضه .
ثم ركب جواده وسار وسارت مماليكه خلفه إلى أن أشرف على القافلة فقام له التجار ودعوا له بالنصر والإقبال ودوام العز والأفضال وقد ضربت له خيمة من الأطلس الأحمر مزركشة من الدر والجوهر وفرش له مقعداً سلطانياً فوق بساط من الحرير وصدره مزركش بالزمرد فجلس تاج الملوك ووقفت المماليك في خدمته وأرسل إلى التجار وأمرهم أن يحضروا بجميع ما معهم فأقبلت عليه التجار ببضائعهم فاستعرض جميع بضائعه وأخذ منها ما يصلح له ووفى لهم بالثمن ثم ركب وأراد أن يسير فلاحت منه التفاتة إلى القافلة فرأى شاب جميل الشباب نظيف الثياب ، ظريف المعاني بجبين أزهر ووجه أقمر إلا أن ذلك الشاب قد تغيرت محاسنه وعلاه الاصفرار من فرقة الأحباب .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 06:31 PM   #160
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة السابعة والثلاثين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن تاج الملوك لاحت منه التفاتة إلى القافلة فرأى شاباً جميل الشباب نظيف الثياب ظريف المعاني ، إلا أن ذلك الشاب قد تغيرت محاسنه وعلاه الاصفرار من فرقة الأحباب وزاد به الانتحاب وسالت من جبينه العبرات وهو ينشد هذه الأبيات :
طال الفراق ودام الهـم والـوجـل ........ والدمع في مقلتي يا صاح منهمل
والقلب ودعته يوم الفـراق وقـد ........ بقيت فرداً فلا قـلـب ولا أمـل
يا صاحبي قف معي حتى أودع من ........ من نطقها تشفى الأمراض والعلل
ثم إن الشاب بعدما فرغ من الشعر بكى ساعة وغشي عليه فلما رآه تاج الملوك على هذه الحالة في أمره وتمشى إليه فلما أفاق من غشيته نظر ابن الملك واقفاً على رأسه فنهض قائماً على قدميه وفي الأرض بين يديه فقال له تاج الملوك :
لأي شيء لم تعرض بضاعتك علينا ?
فقال :
يا مولاي إن بضاعتي ليس فيها شيء يصلح لسعادتك .
فقال :
لابد أن تعرض علي ما معك وتخبرني بحالك فإني أراك باكي العين حزين القلب فإن كنت مظلوماً أزلنا ظلامتك وإن كنت مديوناً قضينا دينك فإن قلبي قد احترق من أجلك حين رأيتك .
ثم إن تاج الملوك أمر بنصب كرسي فنصبوا له كرسياً من العاج والأبنوس مشبكاً بالذهب والحرير وبسطوا له بساطاً من الحرير فجلس تاج الملوك على الكرسي وأمر الشاب أن يجلس على البساط وقال له :
اعرض علي بضاعتك .
فقال له الشاب :
يا مولاي لا تذكر لي ذلك فإن بضاعتي ليست مناسبة لك .
فقال له تاج الملوك :
لابد من ذلك .
ثم أمر بعض غلمانه بإحضارها فأحضروها قهراً عنه فلما رآها الشاب جرت دموعه وبكى وأن واشتكى وصعد الزفرات وأنشد هذه الأبيات :
بما بجفنيك من غنج ومن كـحـل ........ وما بقدك من لـين ومـن مـيل
وما بثغرك من خمر ومن شـهـد ........ وما بعطفك من لطف ومن ملـل
عندي زيارة طيف منك يا أمـلـي ........ أحلى من الأمن عند الخائف
الوجل
ثم إن الشاب فتح بضاعته وعرضها على تاج الملوك قطعة قطعة وتفصيلة وأخرج من جملتها ثوباً من الأطلس منسوجاً بالذهب يساوي ألف دينار ، فلما فتح الثوب وقع من وسطه خرقة فأخذها الشاب بسرعة ووضعها تحت وركه فقال له تاج الملوك :
ما هذه الخرقة ?
فقال :
يا مولاي ليس لك بهذه الخرقة حاجة .
فقال له ابن الملك :
أرني أياها .
قال له :
ما امتنعت من عرض بضاعتي عليك إلا لأجلها فإني لا أقدر على أنك تنظر إليها .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 06:31 PM   #161
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثامنة والثلاثين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك :
أنا ما امتنعت من عرض بضاعتي عليك إلا لأجلها فإني لا أقدر على أنك تنظر إليها .
فقال له تاج الملوك :
لابد من كوني أنظر إليها .
وألح عليه واغتاظ ، فأخرجها من تحت ركبتيه وبكى فقال له تاج الملوك :
أرى أحوالك غير مستقيمة فأخبرني ما سبب بكائك عند نظرك إلى هذه الخرقة ?
فلما سمع الشاب ذكر الخرقة ، تنهد وقال :
يا مولاي إن حديثي عجيب وأمري غريب ، مع هذه الخرقة وصاحبتها وصاحبة هذه الصور والتماثيل .
ثم نشر الخرقة وإذا فيها غزال مرقومة بالحرير مزركشة بالذهب الأحمر وقبالها صورة غزال آخر وهي مرقومة بالفضة وفي رقبته طوق من الذهب الأمر وثلاث قصبات من الزبرجد فلما نظر تاج الملوك إليه وإلى حسن صنعته قال :
سبحان الله الذي علم الإنسان ما لم يعلم .
وتعلق قلب تاج الملوك بحديث هذا الشاب فقال له :
احك لي قصتك مع صاحبة هذا الغزال .
فقال الشاب :
اعلم يا مولاي أن أبي كان من التجار الكبار ولم يرزق ولداً غيري وكان لي بنت عم تربيت أنا وإياها في بيت أبي لأن أباها مات ، وكان قبل موته تعاهد هو وأبي على أن يزوجاني بها فلما بلغت مبلغ الرجال وبلغت هي مبلغ النساء لم يحجبوها عني ولم يحجبوني عنها ، ثم تحدث والدي مع أمي وقال لها :
في هذه السنة نكتب كتاب عزيز على عزيزة .
واتفق مع أمي على هذا الأمر ثم شرع أبي في تجهيز مؤن الولائم هذا كله وأنا وبنت عمي ننام مع بعضنا في فراش واحد ولم ندر كيف الحال وكانت هي أشعر مني ، وأعرف وأدرى ، فلما جهز أبي أدوات الفرح ولم يبق غير كتب الكتاب ، والدخول على بنت عمي أراد أبي أن يكتب الكتاب بعد صلاة الجمعة ، ثم توجه إلى أصحابه من التجار وغيرهم وأعلمهم بذلك ومضت أمي عزمت صواحباتها من النساء ودعت أقاربها .
فلما جاء يوم الجمعة غسلوا القاعة المعدة للجلوس وغسلوا رخامها وفرشوا في دارنا البسط ووضعوا فيها ما يحتاج إليه الأمر بعد أن زوقوا حيطانها بالقماش المقصب واتفق الناس أن يجيئوا بيتنا بعد صلاة الجمعة ثم مضى أبي وعمل الحلويات وأطباق السكر وما بقي غير كتب الكتاب ، وقد أرسلتني أمي إلى الحمام وأرسلت خلفي بدلة جديدة من أفخر الثياب ، فلما خرجت من الحمام لبست تلك البدلة الفاخرة وكانت مطيبة فلما لبستها فاحت منها رائحة زكية عبقت في الطريق ، ثم أردت أن أذهب إلى الجامع فتذكرت صاحباً لي فرجعت أفتش عليه ليحضر كتب الكتاب وقلت في نفسي :
أشتغل بهذا الأمر إلى أن يقرب وقت الصلاة .
ثم إني دخلت زقاقاً ما دخلته قط وكنت عرقان من أثر الحمام والقماش الجديد الذي على جسدي فساح عرقي وفحت روائحي فقعدت في رأس الزقاق لأرتاح على مصطبة ، وفرشت تحتي منديلاً مطرزاً كان معي فاشتد الحر فعرق جبيني وصار العرق ينحدر على وجهي ولم يمكن مسح العرق عن وجهي بالمنديل لأنه مفروش تحتي ، فأردت أن آخذ ذيل فرجيتي وأمسح وجنتي فما أدري إلا ومنديل أبيض وقع علي من فوق وكان ذلك المنديل أرق من النسيم ورؤيته ألطف من شفاء السقيم فمسكته بيدي ورفعت رأسي إلى فوق لأنظر من أين سقط هذا المنديل ، فوقعت عيناي في عين صاحبة هذا الغزال .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 06:33 PM   #162
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة التاسعة والثلاثين بعد المئة

قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك :
فرفعت رأسي إلى فوق لأنظر من أين سقط هذا المنديل فوقعت عيني في عين صاحبة هذا الغزال وإذا بها مطلة من طاقة من شباك نحاس لم تر عيني أجمل منها ، وبالجملة يعجز عن وصفها لساني فلما رأتني نظرت إليها وضعت إصبعها في فمها ثم أخذت إصبعها الوسطاني وألصقته بإصبعها الشاهد ووضعتهما على صدرها بين نهديها ثم أدخلت رأساً من الطاقة وسدت باب الطاقة وانصرفت فانطلقت في قلبي النار وزاد بي الاستعار وأعقبتني النظرة ألف حسرة وتحيرت لأني لم أسمع ما قالت ولم أفهم ما به أشارت فنظرت إلى الطاقة ثانياً ، فوجدتها مطبوقة فصبرت إلى مغيب الشمس فلم أسمع حساً ولم أر شخصاً فلما يئست من رؤيتها قمت من مكاني وأخذت المنديل معي ، ثم فتحته ففاحت منه رائحة المسك حصل لي من تلك الرائحة طرب عظيم حتى صرت كأنني في الجنة ، ثم نشرته بين يدي فسقطت منه ورقة لطيفة ففتحت الورقة فرأيتها مضمخة بالروائح الزكيات ومكتوب عليها هذه الأبيات :
بعثت له أشكو من ألم الجوى ........ بخط رقيق والخطوط فنون
فقال خليلي ما لخطك هـكذا ........ رقيقاً دقيقاً لا يكـاد يبـين
فقلت لأني في نحـول ودقة ........ كذا خطوط العاشقين تكون
ثم بعد أن قرأت الأبيات أطلقت في بهجة المنديل ، نظر العين فرأيت في إحدى حاشيته تسطير هذين البيتين :
كتب العذار ويا له من كاتـب ........ سطرين في خديه بالريحان
وأخيرة القمرين منه إذا بـدا ........ وإذا انثنى وأخجله الأغصان
وسطر الحاشية الأخرى هذين البيتين :
كتب العـذار بعنبـر فـي لـؤلـؤ ........ سطرين من سبج علـى تـفـاح
القتل في الحدق المراضي إذا رنت ........ والسكر في الوجنات لا في الراح
فلما رأيت ما على المنديل من أشعار انطلق في فؤادي لهيب النار ، وزادت بي الأشواق والأفكار وأخذت المنديل والورقة وأتيت بهما إلى البيت وأنا لا أدري لي حيلة في الوصال ولا أستطيع في العشق وتفصيل الأجمال ، فما وصلت إلى البيت إلا بعد مدة من الليل فرأيت بنت عمي جالسة تبكي فلما رأتي مسحت دموعها وأقبلت علي وقلعتني ثيابي وسألتني عن سبب غيابي وأخبرتني أن جميع الناس من أمراء وكبراء وتجار وغيرهم قد اجتمعوا في بيتنا وحضر القاضي والشهود ، وأكلوا الطعام واستمروا مدة جالسين ينتظرون حضورك من أجل كتب الكتاب فلما يئسوا من حضورك تفرقوا وذهبوا إلى حال سبيلهم وقالت لي :
أباك اغتاظ بسبب ذلك غيظاً شديداً وحلف أنه لا يكتب كتابنا إلا في السنة القابلة لأنه غرم في هذا الفرح مالاً كثيراً .
ثم قالت لي :
ما الذي جرى لك في هذا اليوم حتى تأخرت إلى هذا الوقت وحصل ما حصل بسبب غيابك ?
فقلت لها :
جرى لي كذا وكذا .
وذكرت لها المنديل وأخبرتها بالخبر من أوله إلى آخره فأخذت الورقة والمنديل ، وقرأت ما فيهما وجرت دموعها على خدودها وأنشدت هذه الأبيات :
من قال أول الهـوى اخـتـيار ........ فقل كذبت كلـه اضـطـرار
وليس بعد الاضـطـرار عـار ........ دلت على صحتـه الأخـبـار
ما زيفت على صحـيح الـنـقـد
فإن تشـأ فقـل عـذاب يعـذب ........ أو ضربان في الحشى أو ضرب
نعــمة أو نـقـــمة أو أرب ........ تأتنس النفس له أو تـعـطـب
قد حـرت بين عكـسه والطـرد
ومـع ذا أيامـه مـواســـم ........ وثغرهـا على الـدوام بـاسـم
ونفحـات طـيبـهـا نـواسـم ........ وهو لكل مـا يشـين حـاسـم
ما حل قط قلـب نـذل وغـد
ثم إنها قالت لي :
فما قالت لك وما أشارت به إليك ?
فقلت لها :
ما نطقت بشيء غير أنها وضعت إصبعها في فمها ثم قرنتها بالإصبع الوسطى وجعلت الإصبعين على صدرها وأشارت إلى الأرض ثم أدخلت رأسها وأغلقت الطاقة ولم أرها بعد ذلك فأخذت قلبي معها فقعدت إلى غياب الشمس أنها تطل من الطاقة ثانياً فلا تفعل فلما يئست منها قمت من ذلك المكان وهذه قصتي وأشتهي منك أن تعينيني على ما بليت .
فرفعت رأسها إلي وقالت :
يا ابن عمي لو طلبت عيني لأخرجتها لك من جفوني ، ولا بد أن أساعدك على حاجتك وأساعدها على حاجتها فإنها مغرمة بك كما أنك مغرم بها .
فقلت لها :
وما تفسير ما أشارت به ?
قالت :
أما موضع إصبعها في فمها فإنه إشارة إلى أنك عندها بمنزلة روحها من جسدها وإنما تعض على وصالك بالنواجذ وأما المنديل فإنه إشارة إلى سلام المحبين على المحبوبين وأما الورقة فإنها إشارة إلى أن روحها متعلقة بك وأما موضع إصبعيها على صدريها بين نهديها ، فتفسيره أنها تقول لك بعد يومين تعال هنا ليزول عني بطلعتك العناء ، اعلم يا ابن عمي أنها لك عاشقة وبك واثقة وهذا ما عندي من التفسير لإشارتها ولو كنت أدخل وأخرج لجمعت بينك وبينها في أسرع وقت وأستركما بذيلي .
قال الغلام :
فلما سمعت ذلك منها شكرتها على قولها وقلت في نفسي :
أنا اصبر يومين .
ثم قعدت في البيت يومين لا أدخل ولا أخرج ولا آكل ولا أشرب ووضعت رأسي في حجر ابنة عمي وهي تسلني وتقول :
قوي عزمك وهمتك طيب قلبك وخاطرك .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 06:34 PM   #163
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الأربعين بعد المئة

قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك :
فلما انقضى اليومان قالت لي ابنة عمي :
طب نفساً وقر عيناً والبس ثيابك وتوجه إليها على الميعاد ثم إنها قامت وغيرت أثوابي وبخرتني .
ثم شددت حيلي وقويت قلبي وخرجت وتمشيت إلى أن دخلت الزقاق وجلست على المصطبة قناعه وإذا بالطاقة قد انفتحت فنظرت بعيني إليها ، فلما رأيتها وقعت مغشياً علي ثم أفقت فشددت عزمي وقويت قلبي ونظرت إليها ثانياً فغبت عن الوجود ، ثم استفقت فرأيت معها مرآة ومنديلاً أحمر ، رأتني شمرت عن ساعديها وفتحت أصابعها الخمس ، ودقت بها على صدرها بالكف والخمس أصابع ثم رفعت يديها وأبرزت الماء من الطاقة ، وأخذت المنديل الأحمر ودخلت به وعادت وأدلته من الطاقة إلى صوب الزقاق ثلاث مرات وهي تدليه وترفعه ثم عصرته ولفته بيدها وطأطأت رأسها ثم جذبتها من الطاقة وأغلقت الطاقة وانصرفت ، ولم تكلمني كلمة واحدة بل تركتني حيران لا أعلم ما أشارت به ، واستمريت جالساً إلى وقت العشاء ، ثم جئت إلى البيت قرب نصف الليل ، فوجدت ابنة عمي واضعة يدها على خدها وأجفانها تسكب العبرات وهي تنشد هذه الأبيات :
مالـي وللاحـي عـلـيك يعـنـف ........ كيف السلو وأنت غصـن أهـيف
يا طلعة سلبت فـؤادي وانـثـنـت ........ ما للهوى العذري عنها مصـرف
تركية الألحاظ تفـعل بـالـحـشـا ........ ما ليس يفعله الصقيل المـرهـف
حملتني ثقل الـغـرام ولـيس لـي ........ جلد على حمل القميص وأضعـف
ولقد بكيت دمـاً لقـول عـوازلـي ........ من جفن من تهوى بروعك مرهف
يا ليت قلبي مثل قـلـبـك إنـمـا ........ جسمي كخصرك بالنحافة ملتـف
لك يا أميري فـي الملاحة نـاظـر ........ صعب علي وحاجب لا ينـصـف
كذب الذي قال المـلاحة كـلـهـا ........ في يوسف كم في جمالك يوسـف
أتكـلف الإعراض عنـك مـخـافة ........ من أعين الرقباء كـم أتـكـلـف
فلما سمعت شعرها زاد ما بي من الهموم وتكاثرت علي الغموم ووقعت في زوايا البيت فنهضت إلي وحملتني وقلعتني أثوابي ومسحت وجهي بكمها ، ثم سألتني عما جرى لي فحكيت لها جميع ما حصل منها فقالت :
يا ابن عمي أما إشارتها بالكف والخمسة أصابع فإن تفسيره تعال بعد خمسة أيام وأما إشارتها بالمرآة وإبراز رأسها من الطاقة فإن تفسيره اقعد على دكان الصباغ حتى يأتيك رسولي .
فلما سمعت كلامها اشتعلت النار في قلبي وقلت :
بالله يا بنت عمي إنك تصدقيني في هذا التفسير لأني رأيت في الزقاق صباغاً يهودياً .
ثم بكيت فقالت ابنة عمي :
قوي عزمك وثبت قلبك فإن غيرك يشتغل بالعشق مدة سنين ويتجلد على حر الغرام وأنت لك جمعة فكيف يحصل لك هذا الجزع .
ثم أخذت بالكلام وأتت لي بالطعام فأخذت لقمة وأردت أن آكلها فما قدرت فامتنعت من الشراب والطعام وهجرت لذيذ المنام واصفر لوني وتغيرت محاسني لأني ما عشقت قبل ذلك ولا ذقت حرارة العشق إلا في هذه المرة فضعفت بنت عمي من أجلي وصارت تذكر لي أحوال العشاق والمحبين على سبيل التسلي في كل ليلة إلى أن أنام ، وكنت أستيقظ فأجدها سهرانة من أجلي ودمعها يجري على خدها ولم أزل كذلك إلى أن مضت الخمسة أيام فقامت ابنة عمي وسخنت لي ماء وحممتني وألبستني ثيابي وقالت لي :
توجه إليها قضى الله حاجتك وبلغك مقصودك من محبوبتك .
فمضيت ولم أزل ماشياً إلى أن أتيت إلى رأس الزقاق وكان ذلك في يوم السبت فرأيت دكان الصباغ مقفلة فجلست عليها حتى أذن العصر واصفرت الشمس وأذن المغرب ودخل الليل وأنا لا أدري لها أثراً ولم أسمع حساً ولا خبراً فخشيت على نفسي وأنا جالس وحدي ، فقمت وتمشيت وأنا كالسكران إلى أن دخلت البيت ، فلما دخلت رأيت ابنة عمي عزيزة وإحدى يديها قابضة على وتد مدقوق في الحائط ويدها الأخرى على صدرها وهي تصعد الزفرات وتنشد هذه الأبيات :
وما وجد أعرابية بان أهلـهـا ........ فحنت إلى بان الحجارة ورنده
إذا آنست ركباً تكفل شوقـهـا ........ بنار قرأه والدمـوع بـورده
بأعظم من وجدي بحبي وإنمـا ........ يرى أنني أذنبت ذنبـاً بـوده
فلما فرغت من شعرها التفتت إلي فرأتني أبكي فمسحت دموعها ودموعي بكمها وتبسمت في وجهي وقالت لي :
يا ابن عمي هناك الله بما أعطاك فلأي شيء لم تبت الليلة عند محبوبتك ولم تقض منها إربك .
فلما سمعت كلامها رفستها برجلي في صدرها فانقلبت على الإيوان فجاءت جبهتها على طرف الإيوان وكان هناك وتد فجاء في جبهتها فتأملتها قد انفتح وسال دمها .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 06:35 PM   #164
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الحادية والأربعين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك :
فلما رفست ابنة عمي في صدرها انقلبت على طرف الإيوان فجاء الوتد في جبينها وسال دمها فسكتت ولم تنطق بحرف واحد ، ثم إنها قامت في الحال وأحرقت حرقاً وحشت به ذلك الجرح وتعصبت بعصابة ومسحت الدم الذي سال على البساط وكأن ذلك شيء ما كان ، ثم إنها أتتني وتبسمت في وجهي وقالت لي بلين الكلام :
والله يا ابن عم ما قلت هذا الكلام استهزاء بك ولا بها وقد كنت مشغولة بوجع رأسي ومسح الدم في هذه الساعة قد خفت رأسي وخفت جبهتي فأخبرني بما كان من أمرك .
فحكيت لها جميع ما وقع لي منها في ذلك اليوم وبعد كلامي بكيت فقالت :
يا ابن عمي أبشر بنجاح قصدك وبلوغ أملك إن هذه علامة القبول وذلك أنها غابت لأنها تريد أن تختبرك وتعرف هل أنت صابر أو لا وهل أنت صادق في محبتها أو لا ، وفي غد توجه إليها في مكانك الأول وانظر ماذا تشير به إليك فقد قربت أفراحك وزالت أتراحك .
وصارت تسليني على ما بي وأنا لم أزل متزايد الهموم والغموم ، ثم قدمت لي الطعام فرفسته فانكبت كل زبدية في ناحية وقلت :
كل من كان عاشقاً فهو مجنون لا يميل إلى الطعام ولا يلتذ بمنام .
فقالت لي ابنة عمي عزيزة :
والله يا ابن عمي إن هذه علامة المحبة .
وسالت دموعها ولمت شقافة الزبادي ومسحت الطعام وجلست تسايرني وأنا أدعو الله أن يصبح الصباح .
فلما أصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح توجهت إليها ودخلت ذلك الزقاق بسرعة وجلست على تلك المصطبة وإذا بالطاقة انفتحت وأبرزت رأسها منها وهي تضحك ، ثم رجعت وهي معها مرآة وكيس وقصرية ممتلئة زرعاً أخضر وفي يدها قنديل ، فأول ما فعلت أخذت المرآة في يدها وأدخلتها في الكيس ثم ربطته ورمته في البيت ثم أرخت شعرها على وجهها ثم وضعت القنديل على رأس الزرع لحظة ثم أخذت جميع ذلك وانصرفت به وأغلقت الطاقة فانفطر قلبي من هذا الحال ومن إشاراتها الخفية ورموزها المخفية وهي لم تكلمني بكلمة قط فاشتد بذلك غرامي وزاد وجدي وهيامي ، ثم إني رجعت على عقبي وأنا باكي العين حزين القلب حتى دخلت البيت فرأيت بنت عمي قاعدة ووجهها إلى الحائط وقد احترق قلبها من الهم والغم والغيرة ولكن نكبتها منعتها أن تخبرني بشيء مما عندها من الغرام لما رأت ما أنا فيه من كثرة الوجد والهيام ، ثم نظرت إليها فرأيت على رأسها عصابتين إحداهما من الوقعة على جبهتها والأخرى على عينيها بسبب وجع أصابها من شدة بكائها وهي في أسوأ الحالات تبكي وتنشد هذه الأبيات :
أينما كنت لـم تـزل بـأمـان ........ أيها الراحل المقيم بقـلـبـي
ولك الله حيث أمـسـيت حـار ........ منقذ من صروف دهر وخطب
ليت شعري بـأي أرض ومغنى ........ أنت مستوطن بدار وشـعـب
إن يكن شربك الـقـراح زلالا ........ فدموعي من المحاجر شربـي
كل شيء سوى فراقك عـذب ........ كالتجافي بين الرقاد وجنـبـي

فلا فرغت من شعرها نظرت إلي فرأتني وهي تبكي فمسحت دموعها ونهضت إلي ولم تقدر أن تتكلم مما هي فيه من الوجد ولم تزل ساكتة برهة من الزمان ، ثم بعد ذلك قالت :
يا ابن عمي أخبرني بما حصل لك منها في هذه المرة .
فأخبرتها بجميع ما حصل لي فقالت لي :
اصبر فقد آن أوان وصالك وظفرت ببلوغ آمالك ، أما إشارتها لك بالمرآة وكونها أدخلتها في الكيس فإنها تقول لك :
اصبر إلى أن تغطس الشمس .
وأما إرخاؤها شعرها على وجهها فإنها تقول لك :
إذا أقبل الليل وانسدل سواد الظلام على نور النهار فتعال .
وأما إشارتها لك بالقصرية التي فيها زرع فإنها تقول لك :
إذا جئت فادخل البستان الذي وراء الزقاق .
وأما إشارتها لك بالقنديل فإنها تقول لك :
إذا جئت البستان فامش فيه وأي موضع وجدت القنديل مضيئاً فتوجه إليه واجلس تحته وانتظرني فإن هواك قاتلي .
فلما سمعت كلام ابنة عمي صحت من فرط الغرام وقلت :
كم تعديني وأتوجه إليها ولا أحصل مقصودي ولا أجد لتفسيرك معنى صحيحاً .
فعند ذلك ضحكت بنت عمي وقالت لي :
بقي عليك من الصبر أن تصبر بقية هذا اليوم إلى أن يولي النهار ويقبل الليل بالاعتكار فتحظى بالوصال وبلوغ الآمال وهذا الكلام صدق بغير يمين ، ثم أنشدت هذين البيتين :
درب الأيام تنـدرج ........ وبيوت الهم لا تلج
رب أمر عز مطلبه ........ قربته ساعة الفرج

ثم إنها أقبلت علي وصارت تسليني بلين الكلام ولم تجسر أن تأتيني بشيء من الطعام مخافة من غضبي عليها ورجاء ميلي إليها ولم يكن لها قصد إلا أنها أتت إلي وقلعتني ثم قالت :
يا ابن عمي اقعد معي حتى أحدثك بما يسليك إلى آخر النهار وإن شاء الله تعالى ما يأتي الليل إلا وأنت عند محبوبتك .
فلم ألتفت إليها وصرت أنتظر مجيء الليل وأقول :
يا رب عجل بمجيء الليل .
فلما أتى الليل بكت ابنة عمي بكاء شديداً وأعطتني حبة مسك خالص وقالت لي :
يا ابن عمي اجعل هذه الحبة في فمك فإذا اجتمعت بمحبوبتك وقضيت منها حاجتك وسمحت لك بما تمنيت فأنشدها هذا البيت :
ألا أيها العشاق بالـلـه خـبـروا ........ إذا اشتد عشق بالفتى كيف يصنع
ثم إنها قبلتني وحلفتني أني لا أنشدها ذلك البيت من الشعر إلا بعد خروجي من عندها .
فقلت لها :
سمعاً وطاعة .
ثم خرجت وقت العشاء ومشيت ولم أزل ماشياً حتى وصلت إلى البستان فوجدت بابه مفتوحاً فدخلته فرأيت نوراً على بعد فقصدته فلما وصلت إليه وجدت مقعداً عظيماً معقوداً عليه قبة من العاج والأبنوس والقنديل معلق في وسط تلك القبة وذلك المقعد مفروش بالبسط الحرير المزركشة بالذهب والفضة ، وهناك شمعة كبيرة موقودة في شمعدان من الذهب تحت القناديل وفي وسط المقعد فسقية فيها أنواع التصاوير وبجانب تلك الفسقية سفرة مغطاة بفوطة من الحرير وإلى جانبها باطية كبيرة من الصيني مملوءة خمراً وفيها قدح من بلور مزركش بالذهب وإلى جانب الجميع طبق كبير من فضة مغطى مكشفته فرأيت فيه من سائر الفواكه ما بين تين ورمان وعنب ونارنج وإترنج وكباد وبينها أنواع الرياحين من ورد وياسمين وآس ونسرين ونرجس ومن سائر المشمومات فهمت بذلك المكان وفرحت غاية الفرح وزال عني الهم والترح لكني في هذا الدار أحداً من خلق الله تعالى .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 06:36 PM   #165
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثانية والأربعين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك :
ولم أر عبداً ولا جارية ولا من يعاني هذه الأمور ، فجلست في ذلك المقعد أنتظر مجيء محبوبة قلبي إلى أن مضى أول ساعة من الليل وثاني ساعة وثالث ساعة فلم تأت واشتد بي الجوع لأن لي مدة من الزمان ما أكلت طعاماً لشدة وجدي ، فلما رأيت ذلك المكان وظهر لي صدق بنت عمي في فهم إشارة معشوقتي استرحت ووجدت ألم الجوع وقد شوقتني روائح الطعام الذي في السفرة لما وصلت إلى ذلك المكان .
واطمأنت نفسي بالوصال فاشتهت نفسي الأكل فتقدمت إلى السفرة وكشفت الغطاء فوجدت في وسطها طبقاً من الصيني وفيه أربع دجاجات محمرة ومتبلة بالبهارات وحول ذلك الطبق أربع زبادي واحدة حلوى والأخرى حب الرمان والثالثة بقلاوة والرابعة قطايف وتلك الزبادي ما بين حلو وحامض ، فأكلت من القطايف وأكلت قطعة لحم وعمدت إلى البقلاوة وأكلت منها ما تيسر ثم قصدت الحلوى وأكلت ملعقة أو اثنتين أو ثلاثة أو أربعاً وأكلت بعض دجاجة وأكلت لقمة فعند ذلك امتلأت معدتي وارتخت مفاصلي وقد كسلت عن السهر فوضعت رأسي على وسادة بعد أن غسلت يدي فغلبني النوم ولم أعلم بما جرى لي بعد ذلك فما استيقظت حتى أحرقني حر الشمس لأن لي أياماً ما ذقت مناماً ، فلما استيقظت وجدت على بطني ملحاً وفحماً فانتصبت واقفاً ونفضت ثيابي وقد التفت يميناً وشمالاً فلم أجد أحداً ووجدت أني كنت نائماً على الرخام من غير فرش فتحيرت في عقلي وحزنت حزناً عميقاً وجرت دموعي على خدي وتأسفت على نفسي فقمت وقصدت البيت فلما وصلت إليه وجدت ابنة عمي تدق بيدها على صدرها وتبكي بدمع يباري السحب الماطرات وتنشد هذه الأبيات :
هب ريح من الحـي ونـسـيم ........ فأثار الهوى ينشر هبـوبـه
يا نسيم الصبا هـلـم إلـينـا ........ كل صب بحظه ونصـيبـه
أو قدرنا من الغرام اعتنقـنـا ........ كاعتناق المحب صدر حبيبه
حرم الله بعد وجـه ابن عمـي ........ كل عيش من الزمان وطيبه
ليت شعري هل قلبه مـثل قلبي ........ ذائب من حر الهوى ولهيبـه

فلما رأتني قامت مسرعة ومسحت دموعها وأقبلت علي بلين كلامها وقالت :
يا ابن عمي أنت في عشقك قد لطف الله بك حيث أحبك من تحب وأنا في بكائي وحزني على فراقك من يلومني ، ولكن لا آخذك الله من جهتي .
ثم إنها تبسمت في وجهي تبسم الغيظ ولاطفتني وقلعتني ثيابي ونشرتها وشمتها وقالت :
والله ما هذه روائح من حظي بمحبوبه فأخبرني بما جرى لك يا ابن عمي .
فأخبرتها بجميع ما جرى لي فتبسمت تبسم الغيظ ثانياً وقالت :
إن قلبي ملآن موجع فلا عاش من يوجع قلبك ، وهذه المرأة تتعزز عليك تعززاً قوياً والله يا ابن عمي إني خائفة عليك منها ، واعلم يا ابن عمي أن تفسير الملح هو أنك مستغرق في النوم فكأنك دلع الطعم بحيث تعارفك النفوس فينبغي لك أن تتملح حتى لا تمجك الطباع ، لأنك تدعي أنك من العشاق الكرام والنوم على العشاق حرام فدعواك المحبة كاذبة وكذلك هي محبتها لك كاذبة لأنها لما رأتك نائماً لم تنبهك ، ولو كانت محبتها لك صادقة أنبهتك ، وأما الفحم فإن تفسير إشارته سود الله وجهك حيث ادعيت المحبة كذباً وإنما أنت صغير لم يكن لك همة إلا الأكل والشرب والنوم فهذا تفسير إشارتها فالله يخلصك منها .
فلما سمعت كلامها ضربت بيدي على صدري وقلت :
والله إن هذا هو الصحيح لأني نمت والعشاق لا ينامون فأنا الظالم لنفسي وما كان أضر علي من الأكل والنوم فكيف يكون الأمر .
ثم إني زدت في البكاء وقلت لابنة عمي :
دليني على شيء أفعله وارحميني يرحمك الله وإلا مت .
وكانت بنت عمي تحبني محبة شديدة .


 

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:02 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا