المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > الملتقيات العامة > الملتقى العام
 

الملتقى العام لكل القضايا المتفرقة وسائر الموضوعات التي لا تندرج تحت أي من التصنيفات الموجودة

شهيد العيد قصة (مأساوية).!

كلفتني محطة الشرق الأدنى أن أكتب قصة لتذاع عني في أول يوم من العيد ، وهذا هو العيد قد حل حلت عليكم فيه البركات والخيرات ، ولكن القصة لم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 04-12-2002, 03:28 PM   #1
هولمز
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية هولمز
هولمز غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 638
 تاريخ التسجيل :  09 2001
 أخر زيارة : 15-07-2011 (05:43 PM)
 المشاركات : 288 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شهيد العيد قصة (مأساوية).!



كلفتني محطة الشرق الأدنى أن أكتب قصة لتذاع عني في أول يوم من العيد
، وهذا هو العيد قد حل حلت عليكم فيه البركات والخيرات ، ولكن القصة لم تكتب .......أن لها قصة يا سادة فاقرأو قصتها ....
أنا رجل من طبعه التأجيل والتسويف ، أؤخر الأمر ما دام في الأجل فسحة أرجئه الى آخر لحظة منه ، ثم أقوم كالمجنون أنط قافزا مثل الأرنب الذي زعم (آخانا..) لا فونتين انه نائم حتى سبقته السلحفاة ، وان لم أكن قد رأيت في عمري سلحفاة تسبق أرنبا ...
فلما ورد علي كتاب المحطة نظرت فإذا بيني وبين موعد الإذاعة أمد طويل فاطمأننت ونمت ، حتى إذا كانت ليلة العيد ، ولم يبقى أمامي إلا ساعات معدودة أكتب فيها القصة وألحق بها البريد الجوي ، أخذت قلمي وصحيفتي لأكتب سدت علي أبواب القول ومنافذه وكواه ....
وعدت مرتجا علي محبوسا لساني كأني ما مارست الكتابة قط ، وكذلك نفس الأديب يا سادة تتفتح تفتح الينبوع الدفاق ، ثم تشح شح الصخرة الصماء ما تبض بقطرة ماء ، ولكن الناس لا يصدقون ذلك :إنهم يحسبون الكاتب يخرج المقال من نفسه كما يخرج التاجر البضاعة من دكانه ، ولا يدرون أن هذا الكلام يجيء أحيانا حتى لا يقدر الأديب على رده ، ويعزب حينا حتى لا يلقاه ، وانه يعلو ويصفو وينزل ويتعكر وما عجزت الليلة عيا ولا فهاهة ، فأنا أكتب في الصحف من عشرين سنة ، ولكن الكتابة بالاجرة بيع وشراء ، ولكل مبيع ثمن ، وأنا أحب أن انتصف وانصف الناس من نفسي لذلك رأيتني كلما سقطت على موضوع وزنته فوجدته لا يساوي الثمن الذي تدفعه لي المحطة فتركته وفتشت عن أغلى ، وكلما خطرت لي فكرة طمحت إلى أعلى ، حتى كاد يمضي الوقت ولم أصنع شيئا ، ونزل بي ما نزل بالأستاذ توفيق الحكيم لما كلفوه أن يضع حوارا للفلم وجعلوا له جعلا ضخما ، فحصر فيه فكره ، وحشد له قواه وفر لأجله من داره . ثم انتهى به الأمر أن ألف كتاب (الحمار) ولم يضع الحوار .

عند ذلك أيست ولبست ثيابي ، وهربت إلى الأسواق....

يتبع
المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس
قديم 04-12-2002, 06:15 PM   #2
هولمز
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية هولمز
هولمز غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 638
 تاريخ التسجيل :  09 2001
 أخر زيارة : 15-07-2011 (05:43 PM)
 المشاركات : 288 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


جلت في الأسواق ، وأسواق دمشق ليلة العيد كأنها المحشر ، قد أوقدت فيها المصابيح ، وفتحت المخازن ، وانتشر الباعة ، وتدفق عليها أهل البلد والفلاحون ، بالأزياء المختلفة واللغات المتباينات ، وكل بائع ينادي برفيع صوته ، وكل مشتر يصيح ،وكل مجتاز يتكلم ، والبضائع معروضات من كل مأكول وملبوس ومفروش ومنظور ومشموم ، وكل يريد أن يعد الليلة عدته للعيد فيشتري فيها طعامه ولباسه . . .

وكنت أسير في هذا الزحام شارد الذهن ، نازح الفكر ، أعمل عقلي في هذه القصة . . . التي وعدت بها المحطة فأعلنت عنها وبشرت بها ، ثم لم أستطع أن أكتبها ، حتى وصلت إلى ( باب المصلى ) ؛ فإذا أنا بحشد عظيم من الناس قد احتشد حيال دكان ، فدفعني الفضول إلى معرفة الخبر ، فأقبلت أدفع الناس بكتفي ، وأشق طريقي بيدي كلتيهما وأطأ أعقاب الناس وأقدامهم ، وأصغي إلى هذا الفيض العجيب من . . . النثر الفني . . . الذي جادت به قرائحهم ، فتدفق علي من ألسنتهم ، حتى بلغت المشهد ونظرت . . .

* * *
نظرت ،فرأيت اثنين يختصمان ويعتركان ، أما احدهما فكان مسكينا قميئا أعزل عاجزا ، وأما الآخر فكان ضخما طويلا كالح الوجه ، مفتول العضل ، وسخ الثوب ، قد حمل سكينا في يده طويلة النصل ، حديدية الشفرة ، وهجم بها على صاحبه والناس ينظرون ولا ينكرون ، وصاحبه المسكين يصرخ ويتلفت تلفت المذعور ، يطلب الغوث ولا يغيثه أحد ، ويبتغي المهرب فيسد عليه الناس طريق الهرب . . .

واني لأفكر ماذا أصنع . . . واذا بالخبيث العاني يذبحه والله أمامنا ذبحا ويتركه يتخبط بدمه ، ويوليه ظهره ويمضي الى دكانه متمهلا ، فيعالج فيها شأنه على عادته ، كأنه لم يرتكب جرما ولم يأت الأمر النكر جهارا !

وكدت أهجم عليه ، وأسلمه إلى الشرط . ثم ذكرت أن الشجاعة في مثل هذا الموطن تهور وحماقة ، وأن المجرم بيده السكين . لا يمنعه شيء أن يجأ بها من يريده بشر ، وطمعت أن يتحرك أحد الواقفين فيقدم عليه فأتبعه وأشد أزره ، فلا والله ما تحرك احد منهم ، ولا جرؤ على ذلك ؛ بل لقد تكلم واحد منهم ، فلما رفع القاتل رأسه ونظر إليه رأيته يجزع منه وفزع ، ويقول له بصوت مضطرب متلجلج : ( الله يسلم يديك ) !

وحرت ماذا أعمل : أأبلغ الشرطة ، أو أدعهم وأمضي إلى داري لا علي ولا لي ؟ ثم رأيت أن خير ما أفعل أن أكتب وصف ما رأيت ، وابعث به ليذاع ويعرفه الناس .


* * *
وهاأنذا أتهم الرجل بالقتل ،وأدعو الحكومة إلى القبض عليه حتى يعاقب ويكون عبرة لمن يعتبر . ولا يحسبن أحد أنه فر ، وأن القصة متخيلة أو مكذوبة ، أو انها من أساطير الأولين أو من أخبار العصور الخوالي ، فالقاتل موجود في دكانه يغدوا اليها ويروح الى بيته والقصة حقيقية صحيحة رأيتها بعيني رأسي وأنا سالم العقل غير مجنون ولا معتوه ، متيقظ غير نائم ولا حالم ، صاح غير مخدر ولا سكران ، ثم اني رأيتها اللييلة البارحة !
هذه هي الحادثة الفضيعة التي كتب الله أن تكون موضوع قصتي التي فكرت فيها وأطلت التفكير فكيف رآها الناس فلم يحفلوا بها ولم يأبهوا لها ؟ أفسدت الأخلاق ، وضاعت المروءات حتى لا ننكر الأمر النكر أم خارت العزائم ، وانخلعت القلوب حتى لا نجرؤ على المجرم الظالم ؟ هل نامت الحكومة في الشام نومة أهل الكهف حتى ما تدري بالدم يسيل في شارع من أكبر شوارع دمشق ؟
لقد سكت الجميع ، حتى أنسباء القتيل قد ناموا عن دمه ، وقعدوا عن الثأر له ، ولم يتقدم أحد منهم شاكيا ولا مدعيا لأن القاتل كما قالوا ، عازم على ذبحهم كلهم ان قدر عليهم ، وماضيه حافل بمثل هذه الجرائم
فما سر هذا السكوت ؟
لقد علمت السر بعد يا سادة
ذلك أن المسكين الشهيد كان خروفا من خرفان عيد الضحية ، وأن القاتل كان جزار الحارة وأن الناس شاركوه جرمه ، فأكلوا لحم الذبيح مشويا ومقليا ومطهيا وأكلت معهم ، ونسيت من طيب اللحم هذا المشهد
هذه هي سنة الحياة ، يموت المسكين لنستمتع نحن بأكلة طيبة . فكلوا انتم منه أيضا هنيئا واشربوا مريئا ، واشتغلوا بالاكل عن مطالبتي بالقصة وكل عام وأنتم بخير.

علي الطنطاوي عام 1946


 

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:00 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا